لم ينته مسلسل "موت المعلمات" على الطرق مع الأسف، وبات هذا المسلسل الدامي الحزين يشكل قلقا دائما لكثير من أسر المعلمات، الذي يحتاج إلى حلول ناجعة وسريعة، ولم يترك كملف ثانوي يقدم عليه موضوعات وملفات هامشية، كالانشغال عمن يدرس تلاميذ الصفوف الأولية معلمون أم معلمات! هؤلاء المعلمات هن بنات الوطن الغاليات عليه، وتركهن ضحايا لحوادث الطرق ليذهبن كشربة ماء خطأ كبير في حقهن، وقد تركتهن وزارة التربية والتعليم فرائس سهلة يصطادهن متعاقدون ومتقاعدون يحملونهن على سيارات عتيقة، قديمة، لا تتمتع بأبسط قواعد السلامة، تحشر فيها المعلمات حشرا، ولا تنال الصيانة من أصحابها، وليست فيها مواصفات الأمان بما في ذلك من يقودها، وهم كسائقين لا همّ لهم سوى قبض أو لنقل "صرم" رواتب المعلمات، وفي كل عام يضعون المعلمات تحت رحمة الحاجة، فالسائق متى ما أراد مضاعفة القيمة ضاعفها وجملته لأي معلمة تفاوضه "تريدين أو ابحثي عن سائق آخر"! من الظلم أن تترك بنات الوطن اللائي قضين نصف أعمارهن في الدراسة، وكان حلم الوظيفة يلوح لهن في الأفق وتعيش بداخلهن آمال تدفعهن ليقمن بدورهن نحو بنات الوطن الطالبات، وحينما وصلن إلى الحلم، تبدت لهن كوابيس من المعاناة، كان أشدها عليهن وطأة البحث عن "وسيلة نقل" لم تكن وزارتهن لتعجز عن توفيرها لهن ولو بالمقابل، فأقصى أماني المعلمات أن يجدن وسيلة نقل آمنة، تكون لسائقيها المعرفة والخبرة، ويشعرن بالطمأنينة على أرواحهن، وعلى أطفالهن، وبيوتهن وأسرهن، بدلا من اضطرارهن للركوب مع سائقين بعضهم مجهولون "يطيرون بسياراتهم طيرا"؛ لأن هناك مشاوير أخرى تنتظرهم، فكل همهم جمع المال، وهناك أعمال لهم تنتظرهم. كان يكفي ما جرى من حوادث مفجعة للمعلمات، وما خلفت من مآس تسربلت بها بيوتهن وأزواجهن، وأطفالهن الذين يُتّموا، أن تحرك شجون وزارتهن لحل مشكلة النقل، وهن من يذهبن الساعة الرابعة فجرا، ويعدن الرابعة عصرا، وفوق هذا يطلب منهن رغم الجهد والتعب والمشقة والسفر اليومي، أن يقمن بما يجب عليهن نحو أعمالهن التدريسية، إن معاناتهن مع وسائل النقل تبدأ في بداية كل عام دراسي حين تبدأ كل معلمة في البحث عن سيارة تقلها لمدرستها، وقد يرفض السائق إيصال معلمة ما من المعلمات لأنها لم تزد أجرة المشوار كما طلب، وقد يغيب لظرف ما. فلتقطع وزارة التربية في هذه القضية، ولتأخذ بتجارب دول مجاورة لنا عملت على توفير "باصات نقل" للمعلمات ذات مواصفات جيدة، مناسبة، مريحة، وليست سيارات مهترئة يحشرن فيها كما لو كن غنما، باصات يخضع سائقوها للتدريب، وليسوا مجهولين أو عواجيز، كما هو حظ كثير من المعلمات، وأن تسارع الوزارة بمشروعها، وتنهي معاناة المعلمات، وتوقف قلق بيوتهن وأسرهن، وتحقن ذلك الشلال من الدماء والأشلاء التي تسحق على الطرقات لأجسادهن الغضة، ولتنهج بفكرة أخرى وأسلوب أفضل في قضية تعيين المعلمات، بدلا من أن تأتي بمعلمة من الشمال لتدرس في تهامة، وتوجه أخرى من جدة لتعمل بمدرسة في الشرق.