الذي تسير به طبائع الأمور أن الحالة الثقافية وما يتفرع عنها من نتاجات إبداعية وما تقدمه من اشتغالات فكرية هي في واقعها حالة من حالات الترقي التي لن تتأتى لولا وجود الاختلاف والصراعات النقدية الراصدة لكل ما يحضر إلى المشهد، ولقد شهدنا على صعيد القراءة المتخصصة وكذلك المتابعة الآنية عددا من الجولات بين أدباء كبار ونقاد أفذاذ، ومبدعين ملهمين كان لها الشأن الأكبر في أن ترفد حياتنا الثقافية ماضيا وحاضرا، نقرأ ذلك فيما جرى من سجالات بين أساطين عصر الأدب الحديث فيما يتعالق من قضايا أدبية أو تاريخية كتلك التي نجدها في مجلة الرسالة الشهيرة، ورأينا ذلك – لمن هم من جيلي- مع أساتذتنا إبان فورة الصراع بين اليمين واليسار في الحركة الأدبية والإبداعية في الثمانينات الميلادية في نادي جدة الأدبي الثقافي، لقد كان الاختلاف - مهما بلغت حدته- معنيا بالمشهد في صميمه، ومرتكزا على المثاقفة والتفاعل العلمي، وراصدا الفعل الإبداعي شكلا ومضمونا لنجد بين أيدينا ما يشفي الغليل في الاتجاهين (المحافظة والحداثة) كتبا ومصنفات ودواوين ومقالات حفلت بها الملحقات الأدبية آنذاك، وهرع طلاب الأقسام المتخصصة في اللغة والنقد إلى ملاحقة الأمسيات الثقافية في الأندية الأدبية أو حتى على صعيد المحاضرات العامة التي كانت تنظم في كليات وأقسام العلوم الإنسانية.
أما الآن فإنّ الناظر إلى ما تحفل به الساحة من خلافات ليفزعه أن يجد المشهد الثقافي يتشظى، وتهتز أركانه ويكاد السقف يطبق على أهله، فالصراعات لم تنفك مصوبةً على الكراسي الإدارية، ولم نعد نسمع بحراك نقدي نوعي اشتد أواره بين قلمين، بل جلّ ما نراه ونقرأه محض تخوين وتزييف واتهام ذمم، وترصد ثم إسقاط لمعاني التآزر والتكاتف والحفاظ على أن تكون الأندية الأدبية مثلا ملاذا للمواهب التي تتلمس طريقها بدلا عن أن تكون حلبة للتنافس الممجوج.
إن على وزارة الثقافة والإعلام وهي بيت الثقافة والإبداع السعي إلى إعادة ترميم ما تهدم من المشهد جراء ترهل بعض أنظمتها وعدم وضوح أو تقليدية بعضها الآخر، فالأمر ليس من الحنكة أن يترك، ولعل الإدارة العامة للأندية الأدبية تستشعر هذا وتبدأ في عقد ورش عمل مع المعنيين قبيل الاحتدام ثم لات حين مندم.