أطلقت وزارة الصحة هذا الأسبوع وسما أو ما يسمى بهاشتاق على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، أسمته "وصفة وعي" لتقديم رسائل صحية حول طرق الوقاية من الأمراض وتعزيز الأنماط الصحية. لم تذكر وزارة الصحة عند إعلانها عن هذه المبادرة ما هي الفئات المستهدفة، وما المقصود بالوعي، وما هي أهدافها وما منهجيتها، ولأي النظريات استندت، وما خطتها لقياس مدى فاعليتها.

بارك هذه المبادرة عدد من الشخصيات الاجتماعية المعروفة من خارج الوسط الصحي، وهم لا يلامون، فأنى لهم معرفة الفرق بين التسويق والتوعية؟ ولكن المثير للتعجب هو مباركة هذه المبادرة التسويقية من قبل بعض الأشخاص من داخل الوسط الصحي، مما دفعني للقيام بواجب المشاركة في هذا الوسم بكتابة وصفة وعي للقائمين على هذه المبادرة ومن باركها من الممارسين الصحيين.

"دروس مستفادة من أمراض القلب والأوعية الدموية: استراتيجية للوقاية".. هو عنوان بحث لعالم الأوبئة البريطاني الشهير جيفري روز في عام1981 ، والذي وصف فيه مبدأ "المفارقة الوقائية". هذا المبدأ يعد ثورة في تغيير مفاهيم بناء البرامج التوعوية الصحية للأفراد والمجتمعات، ويحمل في طياته ما يلزم لرسم أي خارطة توعوية صحية فعالة. أتبع روز بحثه هذا ببحث مرجعي أساسي آخر في عام 1985 يحفظه عن ظهر قلب أي متخصص في التوعية وتعزيز الأنماط الصحية وعنونه بـ"الأفراد المرضى والمجتمعات المريضة"، وأسهب فيه بشرح مبدأ المفارقة الوقائية اعتمادا على استراتيجية الوقاية للأفراد الأكثر عرضة للأمراض واستراتيجية الوقاية المجتمعية.

ينص مبدأ المفارقة الوقائية على أن استراتيجية الوقاية المجتمعية، كالتوعية عن طريق حملة إعلامية مثلا، والتي تهدف لتقليل عوامل الخطورة وجلب المنفعة على مستوى المجتمع لا تقدم منفعة تذكر للأفراد المشاركين بها، ولذلك فالدافع الفردي لتبني نصائح الحملة الإعلامية غالبا ما يكون ضعيفا أو منعدما. فعلى سبيل المثال، عندما تذكر وزارة الصحة أن أكل الخضراوات والفواكه يساعد في الوقاية من أمراض القلب والسكري والسرطانات، أي يقلل من نسبة شيوعها مجتمعيا، فإن ذلك يتطلب أن يلتزم بهذه النصيحة الكثير من أفراد المجتمع حتى وإن كانت عوامل خطورتهم الفردية لهذه الأمراض ضئيلة. مطالبة الأفراد بالالتزام بنمط حياة صحي معين لأجل الحصول على نتائج مجتمعية شاملة مثل خفض نسب مرض السكري أو أمراض القلب على مستوى وطني، أثبتت فشلها المتكرر عبر السنين ما لم يستشعر الفرد فائدتها المباشرة على صحته في المدى القريب.

الحملات الإعلامية التوعوية الواسعة تعد الأضعف في نشر الوعي الصحي، كما أثبتت الدراسات، ولا تستخدم وحدها وإنما كجزء من برنامج توعوي يصمم ليلبي احتياجات الأفراد والمجتمع عن طريق قياس مؤشرات الوعي بغرض الوصول للأهداف المرجوة لدى الفئات المطلوبة. من الغريب أن تستخدم وزارة الصحة هذا النهج التوعوي، وهو الحملات الإعلامية الواسعة، مع عدم وجود أدلة علمية على فاعليتها، وأتساءل عن سبب إصرار الوزارة على استخدامها، هل هو بناء على تغير إيجابي قامت برصده في مستوى وعي الأفراد؟ هل قامت الوزارة بتقييم كمي ونوعي لحملاتها السابقة يدعم إصرارها هذا؟ هل هي ناتجة عن دراسة لفعالية تكاليف هذه الحملات في الوقاية؟ إن كانت الإجابة بنعم، فلم لا تسارع بنشر نتائجها التي قد تغير خارطة الصحة العامة المبنية على البراهين؟

من الغريب أيضا الخلط الواضح لدى القائمين على هذه الحملة بين استراتيجيات الوقاية المجتمعية والحملات الإعلامية التوعوية الواسعة، فالأخيرة هي الحلقة الأضعف بين هذه، ولا تستخدمها سوى الدول ذات الموارد المحدودة. استراتيجيات الوقاية المجتمعية الفاعلة تتمثل بسن القوانين والتشريعات الصحية التي تلزم الأفراد بالامتثال للإجراء الوقائي المجتمعي حتى وإن لم يعد عليهم بالنفع كأفراد. فمثلا، تستطيع الوزارة أن تبث رسالة بأن رأس المعسل أو الشيشة يعادل100 سيجارة، ملايين المرات، ومع ذلك فإنها لن تغير في معدلات استهلاك التبغ الفردية شيئا ما لم يصاحبها تشريعات وقوانين صحية كمنع التدخين في الأماكن العامة ، ومنع بيع التبغ لأقل من 18 عاما، وغير ذلك من التغييرات البيئية. تستطيع الوزارة أن تغرد ليل نهار عن طريق حسابها في "تويتر" عن أكل الفواكه والخضراوات، ولكن هذا لن يغير شيئا في استهلاك الأفراد ما لم تصاحبه تشريعات وقوانين صحية تخفض من أسعار الخضراوات والفواكه وتجعلها في متناول الجميع وأخرى تفرض إدراجها على قوائم المقاصف المدرسية.

حملة وصفة وعي هي مجرد حملة تسويقية لسلسلة "هل تعلم الصحية" برعاية من وزارة الصحة، وليت الوزارة استثمرت جهدها ووقتها في البدء بحملة توعوية حقيقية تواكب متطلبات المرحلة الحالية، وعلى رأسها تساؤلات الناس المتكررة داخليا وخارجيا عن فيروس كورونا بين أهاليهم العائدين من موسم العمرة.