أود أن أعود أعزائي القراء بذاكرتكم إلى رمضان الماضي حين تفشى فيروس الهلع من أنفلونزا الخنازير مسيطرا على الناس وطاغيا على كل مناحي الحياة، ومحولا حياة السعوديين وغيرهم من العرب الغلبانين إلى كابوس مريع عن الموت الزؤام القادم لنا ممتطيا صهوة أنفلونزا الخنازير! وكثر اللغط والهرج والمرج عن الخطر المحدق بأبنائنا في مدارسهم، وانقضى الشهر الكريم ما بين كر وفر ومقارعات ومنازلات ومن ثم مطالبات ملحة بتأجيل الدراسة، أو بالإسراع في توفير اللقاحات.. وأنتم تعرفون باقي القصة التي خاضها مجتمعنا وباقي المجتمعات العربية، حتى نزل المرض على (فاشوش)! وحصحص الحق وبان المستور وانكشف أنه ليس إلا مرضا آخر ينضم إلى إخوانه وأبناء عمومته من أدواء البقر وأمراض الطيور؛ ضخمته وهولت في نتائجه وآثاره والأرواح التي سيجزها منظمة الصحة العالمية. والله وحده يعلم عن المرض القادم الذي تحمله منظمة الصحة ـ عفوا الخداع ـ العالمية في جعبتها لتستحلب به الجيوب وتشفط مقدرات الدول، عازفة على أوتار فوبيا الخوف على الصحة، والذي يعتبر أحد سمات عصرنا، وانعكاس للقلق المصاحب للنمط الاستهلاكي الرأسمالي في الحياة. وكنت قد كتبت في رمضان الماضي مقالين ـ ضد التيار ـ في هذه الزاوية عن الهلع (الخنازيري)، وقارنت فيهما ما بين فوبيا الخوف من المرض في بلاد العرب السعيدة، وما بين تلاشي الخوف وعدم وجوده في عالم ما وراء البحار والذي ظهر فيه المرض أول ما ظهر وانتشرت فيه الإصابات! وقوبل كلا المقالين بعاصفة من الاعتراضات والانتقادات اللاذعة؛ أتى بعضها من زملاء وأصدقاء كادوا يتهموني بتبني نظرية المؤامرة والوقوع في غواية العاطفية والبعد عن العقلانية؛ عندما كتبت أن المرض ليس إلا بالونة ضخمة، ستنتفخ وتنتفخ ثم تنفجر بتهويماتها وإشاعاتها بعد أن تذهب شركات الأدوية بأرباحها وتنتفخ أرصدتها في البنوك. الطريف والعجيب أن المنظمة المذكورة خرجت علينا في أول يوم من رمضان الموافق للحادي عشر من أغسطس بنكتة من العيار الثقيل يمكن وضعها تحت خانة الكوميديا السوداء. فقد أعلنت ـ بسلامتها ـ دون ذرة من حياء أو خجل وباستخفاف لا متناهي بعقول الناس، انتهاء انتشار وباء الخنازير وفيروساته التي ذهبت أدراج الخداع والنصب، بعد أن وصل الفيروس إلى آخر السباق كما يقول الخبر. وذلك بعد أن قضى على 18000 شخص في أنحاء المعمورة المترامية الأطراف، بينما ذهبت العام الماضي في توقعاتها إلى أرقام فلكية اعتزمت معها دولة كبريطانيا حفر مقابر جماعية لتكون مثوى لضحاياها في الخريف، والذي ستتزايد فيه أعداد المصابين والموتى! وللتمويه والتورية على أكاذيبها، ولترك الآفاق مفتوحة للخداع ونصب فخاخ جديدة لشفط الأموال، يقول الخبر إن دخول الفيروس مرحلة ما بعد التصنيف كوباء لا يعني اختفاء الفيروس، بل إنه سينتهج نهج الأنفلونزا الموسمية ويواصل الدوران لسنوات قادمة! لذا كونوا على أهبة الاستعداد فربما تقرر المنظمة ـ معتمدة على ذاكرتنا المثقوبة ـ أن الفيروس سيعاود نشاطه المحموم مرة ثانية، أو لعل أنفلونزا القطط أو الحمير تشمر عن ساعديها الآن لتدخل في السباق!