ولا زال برنامج "خواطر" رمضان للمبدع أحمد الشقيري يتحفنا بأفكاره الرائعة ويسعدنا بومضاته الجذّابة. لو أراد العالم الإسلامي تحقيق الاستفادة القصوى من هذا البرنامج المميز، لبادرت أجهزتنا الرسمية على تطويره ودعمه وتعميمه على كافة المدارس والمعاهد والجامعات، ولقامت هيئاتنا الإعلامية بترجمته وإثرائه وتوزيعه على جميع الفضائيات والمرئيات.

في حلقته التاسعة من الشهر الجاري المبارك، تحدث البرنامج عن النزاهة والفساد وعلاقتهما الوطيدة بحصة الفرد من الاقتصاد الوطني، وكيف تسعى هيئات النزاهة في محاربة الفساد وشطبه من قواميس الدول. وأشار البرنامج إلى أن الدول التي تتميز بمستوى عال من النزاهة تتمتع بمزايا اقتصادية عالية، رغم أن ثرواتها لا يمكن أن تقارن بدول أخرى يتحكم في أصولها الفساد، مما أدى لتراجعها اقتصادياً حتى لو كانت تملك ثروات طائلة.

في القرآن الكريم وردت كلمة "الفساد" 50 مرة، وجاءت في مواطن متعددة وبمعانٍ مختلفة ودلالات متغايرة، فطالت 6 أوجه من المعاصي التي تؤدي إلى الهلاك والقحط والقتل والظلم والخراب وضياع الحقوق. في المجتمعات المتقدمة تم تقسيم الفساد إلى 34 نوعا، أخطرها الفساد السياسي وأعظمها ضرراً الفساد المالي وأكثرها إجراماً الغش التجاري وأشدها ظلماً وجوراً الفساد القانوني.

في تقريرها الأخير، أوضحت منظمة الشفافية العالمية أن الدول النامية، التي تشمل الدول الإسلامية والعربية، تكبدت خسائر فادحة بسبب آفة الفساد، فاقت 6 تريليون دولار أميركي في العقد الماضي، ليمثل 4% من الناتج العالمي الإجمالي و12% من قيمة التجارة العالمية. وأكدت المنظمة أن تدفقات الأموال غير المشروعة في هذه الدول زاد خلال العام الجاري بنسبة 11% عن العام السابق. للأسف الشديد أن معظم المراتب المتقدمة في النزاهة على المستوى العالمي كانت من نصيب الدول التي تقع خارج العالم الإسلامي. من أصل 177 دولة، جاءت الدانمارك وفنلندا ونيوزيلندا في المراكز الأولى للدول الأقل فساداً، حيث حصلت على 90 نقطة في المؤشر المتدرج على 100 نقطة لأكثر الدول نزاهةً، فيما كانت نسبة الفساد فيها صفر%، بينما جاءت كل من الصومال وأفغانستان والسودان ونيجيريا في المراكز الأخيرة لتحصل كل منها على 8 درجات فقط من أصل 100 درجة بسبب ممارستها لمختلف أنواع الفساد المعروف في العالم.

وفقاً لتقديرات البنك الدولي وبسبب الفساد المستشري، وصل حجم خسائر الاقتصاد في الوطن العربي إلى 400 مليار دولار، كانت حصة العراق منه 58% ودول الربيع العربي 30%، التي حصلت على أقل من 50 درجة من الدرجات في المؤشر العام للشفافية. ويأتي هذا التراجع الخطير في المؤشر بسبب زيادة حالات تعارض المصالح وتدخل الحكومات في عمل الجهات الرقابية العامة وزيادة تأثير المحسوبية على الجوانب الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية، لتصبح الرشوة والمحاباة من الأمور المقبولة على نطاق واسع في هذه الدول وكأنها من مفردات وثوابت وحقائق الحياة. أما دول الربيع العربي، فقد سجلت وفقاً لبيانات المنظمة تراجعاً كبيراً في ترتيب دول العالم بسبب الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وما زالت هذه الدول تعاني إلى اليوم من خلل في أنظمتها اليومية، الأمر الذي أدى إلى تراجعها في ترتيبها عالمياً. مصر تراجع مركزها 6 مراتب لتحتل المركز 118، بينما تراجع مركز تونس 16 مرتبة لتحتل المركز 75.

مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره المنظمة يعتبر أداة لتقييم وترتيب الدول طبقاً لدرجة إدراك وجود الفساد بين المسؤولين والسياسيين في الدولة، وهو مؤشر مركب يعتمد على بيانات ذات صلة بالفساد تم جمعها عن طريق استقصاءات متخصصة قامت بها مؤسسات مختلفة ومستقلة وحسنة السمعة، ويعكس آراء المراقبين من جميع أنحاء العالم متضمناً الخبراء من الدولة نفسها الجاري تقييمها. ويتماشى هذا التقييم مع مؤشر فشل الدول، حيث تحتل فنلندا المرتبة الأفضل عالميا بين 177 دولة بينما جاءت الصومال في المرتبة الأسوأ لتصبح أكثر الدول فشلاً في العالم تليها السودان. ويستند مؤشر الفشل في تصنيفه للدول على ثلاثة مؤشرات فرعية تهدف إلى قياس حالة الأوضاع الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية في 177 دولة حول العالم. ويقيس كل مؤشر فرعي مجموعة من المتغيرات التي تندرج تحته. فالمؤشر الاجتماعي يقيس حجم ضغط السكان على موارد الدولة وحركات النزوح السكاني الداخي والميول العدوانية والانتقامية للجماعات السكانية وهجرة السكان خارج البلاد. بينما يقيس المؤشر الاقتصادي مدى تقدم أو تراجع الأداء الاقتصادي للدولة وحجم تفاوت مستويات المعيشة بين طبقات المجتمع، ومدى حرص الدولة على قمع آفة الغش التجاري. والمؤشر السياسي يقيس مدى تمتع الدولة بالشرعية وتقدم أو تدهور مستوى الخدمات العامة وحالة الأوضاع الأمنية داخل البلاد ونوعية النخب السياسية الموجودة وحجم التدخلات الخارجية في شؤون الدولة.

في العام الماضي حصدت مصلحة الجمارك السعودية المركز الأول في مكافحة الغش التجاري والتقليد وحماية حقوق الملكية الفكرية بين الدول الأعضاء في منظمة الجمارك العالمية، البالغ عددهم 179 دولة. كما أكد التقرير على حصول الجمارك السعودية أيضاً على المركز الأول في مضبوطات المواد المغشوشة والمقلدة وانتهاك حقوق الملكية الفكرية لعام 2011م، بنسبة 12.5% من المجموع الكلي.

كنت أتمنى من حلقة نزاهة في برنامج "خواطر" رمضان أن تقدم مصلحة الجمارك السعودية مثلاً يحتذى به بين دول العالم أجمع في تحقيق النزاهة الاقتصادية.