أعود بمقالي هذا إلى كتابة "كلاكيتيات" بعد انقطاع لظروف خارجة عن إرادتي، لكنني لم أقصد عودتي من العنوان، إنما قصدت الذين لا يتوقفون عن رؤية الأمور بعاطفية. وأتحدث هنا عن المشهد السياسي بمصر والتغييرات الحاصلة بعد 30 يونيو.. هؤلاء يصدق عليهم القول "عادت حليمة لعادتها القديمة"، فكما تحمسوا عاطفيا مع "الربيع البوار"، ثم مع الانتخابات والصندوق، يعودون لحماسهم العاطفي مع الشرعية، والدائرة تدور ويعيدون أخطاءهم دون تقييم التجارب السابقة، وأن ما يحصل حاليا من نتائج إنما تعود لعاطفية سياسية لا لعقلانية سياسية! ربما لأن العرب، كما أقول دائما، "أمة إنشائية".. تتنازعهم العواطف؛ فلا تستغرب رؤية المتخبطين في تحليلاتهم السياسية رغم تخصصهم، وتكتشف ببساطة المتحولين "عاطفيا" مع كل لون سياسي يتسيد المشهد.

إن أصحاب الرأي المطالب بالشرعية وإكمال فترة مرسي الانتخابية تأكيدا للديموقراطية ـ مع احترامي لهم ـ كما الخياط الذي يخيط الثوب بالخيال لا بمقاسات زبونه فيخرج الثوب فضفاضا أو ضيقا لا يتناسب مع صاحبه، ولا أعرف هل فهم هؤلاء أن الديموقراطية مجرد صندوق وإن غاب الوعي عن ممارسته!! وكيف يتناسى هؤلاء أن الصندوق جاء "بهتلر" النازي في ألمانيا حين غلبت الجماهير عواطفها! فـ"الصندوق" له أيضا سمعة سيئة حين يفتقد "ممارسة الوعي السياسي" كما كان حاله في عهد "مبارك" و"بن علي" و"بشار" وغيرهم!

ألا يرون ما حصل لمصر خلال عام! نسبة الفقر زادت، والأمن فُقد، والسياحة انعدمت والبورصة تدهورت، والنيل تهدده إثيوبيا، وإرهابيون بعفو رئاسي أطلقوا رغم أنهم سجنوا في قضايا قتل وتفجيرات إرهابية، ناهيك عن علو صوت التطرف المذهبي والطائفي في شبه جزيرة سيناء والتوترات الأمنية المتفاقمة، وغير ذلك.. كل هذا ويقيسون بقاء مرسي بالشرعية، غاضين بصرهم عن الخسائر في مصر! دون رؤية معيار الكفاءة السياسية! ليفرض السؤال: هل كان مرسي يتمتع بالكفاءة لقيادة دولة يسكنها 90 مليون نسمة أم لا؟

هناك من يروج بأن "الفلول" -مع اعتراضي على هذه الصفة، لأنهم في نهاية المطاف مصريون لا يمكن نفيهم أو إلغاؤهم- كانوا سببا بفشل مرسي نتيجة مؤامرات كادوها! حسنا وإن حصل ذلك فهذا يعني أن مرسي حقا لم يكن يتمتع بالمهارة السياسية التي تسمح بمؤامرات كهذه! فالرئيس المحنك سياسيا لا يسمح بذلك، وإن حصلت فلا يسمح باستمرارها عاما كاملا، وهذا يؤكد فشله؛ وبالتالي فإن مصر كانت أكبر من قدراته ومن حزبه "الإخواني"!

ومع الأسف، غياب الوعي السياسي الديموقراطي الذي تسبب في خطأ فادح حين تمت الانتخابات الرئاسية قبل كتابة الدستور؛ تكرر أيضا في وضع معيار المهارة لاختيار رئيس لمصر حين تأثر الناخبون بـ"اللحية"لا "بالكفاءة"، والمؤسف أنه يغيب كذلك الآن في تقييم التجربة السياسية التي عاشتها مصر مع مرسي، وما زال أصحاب "الشرعية" يخيطون ثوبا بمقاسات خيالية لا بمقاسات الواقع!