لا أحد ينكر أن الأبناء من بنين وبنات هم ثروة المستقبل، وهم جيل الوطن القادم، لذا لا بد من إعدادهم بالشكل المناسب ليقوموا بالأدوار المتوقعة منهم في مختلف القطاعات، والمجالات مستقبلا، ومع أننا ندرك ذلك، ونؤكد عليه بأنه من المسلمات؛ إلا أن كثيرا منا لا يعمل في هذا الاتجاه، وأولياء الأمور في هذا المجال يمكن تصنيفهم إلى عدة فئات: الفئة الأولى تقع في الوقت الذي يسبق فترة القبول؛ حيث أشغلت نفسها بأعمال كثيرة جعلتها تنسى مستقبل أبنائها، ولا تسأل عنهم، ولا تعرف مدى تقدمهم الدراسي؛ حتى أن بعضهم لا يعرف المرحلة التي يدرس بها ابنه، أو ابنته، ولا يعرف عن ابنه أي معلومات حتى يتخرج من الثانوية، وعند حصول الابن على نسبة منخفضة سواء في شهادة المرحلة الثانوية، أو درجات منخفضة في الاختبارات الأخرى يبدأ مسلسل اللوم، والعتب، والتوبيخ، والزجر، وحقيقة الأمر أن ولي الأمر هو المقصر بالدرجة الأولى، ومع ذلك تكون توقعاته من ابنه، أو ابنته عالية، وهو لم يهتم، أو يبذل أي جهد في هذا المجال، ويحاول أن يتم التحاق ابنه بالتخصصات التي تتطلب درجات عالية، ونسب مرتفعة، وواقع تحصيل ابنه، أو ابنته لا يؤهل لذلك، ونتيجة لذلك يبدأ ولي الأمر من هذه الفئة في البحث عن شفاعة، أو وساطة ليحصل على مقعد لابنه في التخصص الذي يريده هو لا في التخصص الذي يواكب قدرات الطالب، وإمكاناته، ودرجاته، وهنا أقول لأفراد هذه الفئة: أين أنتم من السنوات الماضية؟ وماذا قدمتم من دعم لأبنائكم؟ وهل هذا هو الوقت المناسب للمحاسبة على التقصير؟ أظن أن كل من ينطبق عليه هذا الوضع يجب أن يراجع نفسه، ويعيد حساباته بشكل صحيح، وأن يقف مع أبنائه من بداية مشوارهم التعليمي؛ لأنهم هم الاستثمار الحقيقي الذي يجب ألا نفرط فيه جميعا فنحن ومجتمعنا من يجني ثمار هذا الاستثمار سواء كان استثمارا جيدا، أو غيره.
أما الفئة الأخرى من أولياء الأمور التي يمكن ملاحظتها في أثناء فترة القبول في الجامعات فهي تشمل أولياء الأمور الذين يحددون اتجاه أبنائهم، ويختارون التخصصات نيابة عنهم، أو يفرضون عليهم بعض التخصصات التي لا يميل، أو لا يرغبها الطالب نفسه، ويكون هو المتحدث الرسمي باسم الابن، أو الابنة، وهذه الفئة قد يكون حرصها على ابنها أكثر مما يجب، فالحرص على الابن يجب أن يكون في الحدود المعقولة بعيدا عن الحرص الذي قد يلغي شخصية الابن، ويصادر رأيه، ولا يكون له دور في صنع القرار حيال مستقبله، فالابن في هذه المرحلة يبني شخصيته، ويريد أن يتخذ كثيرا من القرارات التي تخصه بنفسه، وهنا أقدر لهذه الفئة حرصها، ولكن أعتقد أن دورهم في هذا المجال يجب ألا يتعدى دور الموجه، أو المرشد، أو المستشار، ولا يتم فرض أي توجه على الأبناء، أو البنات في اختيار التخصص؛ لأنه في حالة تم اختيار التخصص من قبل الأب، أو الأم من دون اقتناع صاحب الشأن (الطالب) قد تكون النتيجة الإخفاق والفشل، لغياب الحوافز والدوافع الأساسية لدى الطالب لهذا التخصص؛ فإن الفشل والإخفاق سيتم إرجاعهما إلى الأب، أو الأم، وفي هذا المجال أورد المقولة التي تنص على "أنك تستطيع أن تسحب الحصان إلى النهر، لكنك لا تستطيع أن تجبره على الشرب"، فعلى أولياء الأمور من هذه الفئة أن يكون دورهم توجيهيا، وأن يتركوا الفرصة لأبنائهم لاختيار التخصصات التي يرغبونها والتي يحسون أنهم سيبدعون فيها، ويستفيدون من الالتحاق بها؛ فالطالب خير من يعرف نفسه، وقدراته، وإمكاناته، وهنا دور ولي الأمر مهم في مساعدة ابنه على الاعتماد على نفسه، وصنع القرار المناسب حيال مستقبله.
أما الفئة الثالثة من أولياء الأمور فهي التي يمكن التعرف عليها في الفترة بعد حصول ابنه، أو ابنته على القبول، فهو في فترة سكون حتى تظهر نتيجة القبول، ويتعرف على التخصص الذي تم قبول ابنه فيه، ومن ثم يبدأ في مراجعة الجهات المختصة بالجامعات، ويبدي تذمره عن عدم رضاه عن التخصص الذي قبل فيه ابنه، أو ابنته وأنه لا يتوافق مع رغبة ابنه، أو ابنته، أو مع نسبهم، أو أنه حدثت هناك أخطاء في تحديد الاختيارات من التخصصات المتاحة، أو غير ذلك من الأعذار الواهية، وغير المقبولة، وهنا أرى أن ولي الأمر يجب عليه أن يجلس مع ابنه، ويناقشه في التخصص الذي قُبل فيه ومدى قناعته به؛ حيث يكون الابن في كثير من الأوقات مقتنعا بهذا التخصص لأنه هو من اختاره، ولكن الأب غير مقتنع به، ويصر على أن يبحث عن تخصص آخر، ويبدأ مشواره في البحث عن تغيير التخصص إلى تخصص لا يتواكب مع درجات الطالب، ومع قدراته، وإمكاناته، ورغباته، وميوله. كما أن كثيرا من أفراد هذه الفئة يتحجج بأن نسبة ابنه عالية جدا قاصدا بذلك نسبة المرحلة الثانوية، ويتجاهل أن هناك متغيرات أخرى توجه عملية القبول منها درجات اختبار القدرات، والتحصيلي وأن هناك نسباً موزونة، ومؤهلة.
وفي مجال القبول لن تتحقق الرغبة الأولى لجميع خريجي المرحلة الثانوية من البنين والبنات نظرا لأن القبول يتم بالمفاضلة بالنسب سواء الموزونة، أو المؤهلة، أو لأن المقاعد المخصصة في التخصصات النوعية محدودة، أو لعوامل أخرى تتعلق بكل مؤسسة، فنحن لا نريد كل أبنائنا أن يكونوا أطباء، أو مهندسين لأن ذلك سيسهم بدرجة كبيرة في زيادة نسبة البطالة في هذه التخصصات في المستقبل غير البعيد، كما أن هناك تخصصات أخرى يحتاجها سوق العمل بدرجة أكبر، ولا بد من التوجه لها، وفق الله أبناءنا، وبناتنا لكل ما فيه خير لهم، ولوطنهم.