تقرؤه أولاً، بأن تتجاهل الرقم الأنثوي وتقفز مباشرة إلى الشوق لمعرفة عدد السكان من الذكور. الذكر هنا هو من يزاحمك على الوظيفة ومقعد الطائرة والجامعة وعلى شبابيك "الفارات" وأبواب مكاتب العمل. يكفي أن تعلم الحقيقة التي لم ينتبه إليها أحد: هذا هو الإحصاء السكاني الوحيد على وجه الأرض ومجتمعاتها وثقافاتها الذي لم تشارك فيه المرأة بطباعة استبانة أو وضع ملصق ترقيم على منزل. الذكور وحدهم هنا يعدّون الإناث وهنا المرأة مسؤولة فقط عن التكاثر. يكفي أن تعلم أن المثال الأول لمادة القواعد في الصف الرابع الابتدائي للبنات يطلب من سعدى وهدباء وملحة أن يعربن الجملة في (يبحث أحمد عن وظيفة)، وهذا يعني أن على – فطوم – أن تبحث عن حياتها خارج قواعد الإعراب.
تقرأ تعداد السكان الأخير في المقاربة المدهشة بين عدد الذكور السعوديين وبين عدد القوة البشرية الوافدة. كلاهما للدهشة تسعة ملايين وبضع مئات الآلاف مع تفوق نسبي للكتلة الأخيرة. نحن بالمناسبة المدهشة أيضاً (كم أكثرت من الدهشة) أول مجتمع في الأرض تتساوى فيه بالضبط نسبة المواطن إلى الوافد، ومع هذا هناك ما هو أدهى وأطم: فإذا توقعنا، كما هو التلقائي، أن أعمار الوافدين من القوة العاملة هي ما بين الخامسة والعشرين إلى الخامسة والأربعين، فإن أعداد السعوديين في هذه الفئة العمرية هي مجرد ثلث الرقم السكاني المعلن. وإذا كانت هذه السن (25 – 45) هي الضاغط إلى السوق والوظيفة والبيزنس والمهنة، فإن هذا يعني أن كل مواطن يزاحم ثلاثة وافدين على ذات المنفذ. وفي المقاربة الأخيرة فإن الإحصاء يشير إلى أن مليون سعودي هم ما بين العشرين والثلاثين من العمر، وهي سن الزحام على كل شيء، وفي المقابل فإن إحصاءات وزارة العمل تبرهن أن بالبلد مليوني بنجلاديشيـ وهذا يعني أخيراً أنك ستراهم حتماً حولك إذا ما التفت يمنة ويسرة. هذا على افتراض الحقيقة الأخيرة أنك لن تنظر (للأمام) ولا إلى الأهم. أن تنظر إلى الخلف.