م. عايض الميلبي


ما يبدو لي أن الأمة العربية قد واجهت انعطافة زمنية لم تستطع تجاوزها، فظلت عالقة تراوح مكانها القديم. فمنذ عقود خلت طفقت أمتنا تدور في حلقة مفرغة، يقال إن الأعداء هم من أحكموا سياجها؛ خدمة لمآربهم وتحقيقا لأهدافهم، بيد أن الحقيقة الجلية التي يهتدي إليها العقل السليم تفيد بأن أمة العروبة هي المسؤولة عن واقعها، وعن فقدانها سبل النجاح، ما يعني أن تلك الحلقة المشؤومة وهمية لا وجود لها إلا داخل رؤوس بعض. ومتى ما تم تحديد الاتجاه الصحيح، فبالتأكيد سوف يدرك الجميع أن ظنهم بالأمس في غير محله، لكن بشرط أن يسيروا معا في الاتجاه نفسه.

إن أخطر حاجز تواجهه أي أمة هو تحولها إلى شيع وجماعات متناحرة، وبالتالي تنشغل بذاتها على حساب مجدها وعزتها ومكانتها. وما يؤسف له أنني أرى مثل هذا الحاجز ماثلا أمام أبناء العروبة خاصة في الأيام الراهنة التي تشهد خلالها معظم البلدان العربية أوضاعا سياسية وأمنية مضطربة. ومما لا شك فيه أن للتحزب والتكتل في جماعات مختلفة دورا كبيرا فيما يحدث؛ حيث إن المتأمل للمشهد يجد أن الطائفة الواحدة قد انقسمت على نفسها، ونشأت لها فروع ذات ألوان متباينة، كأنها لا تنتمي لأصل واحد ولا لبذرة واحدة.

لقد ظهرت جماعات وفرق لكل منها توجه وفكر وهدف يضاد غيرها من الجماعات التي بدأت تتشكل وتتبلور متخذة مسميات وشعارات براقة لاستقطاب أكبر عدد من الموالين والأنصار، هكذا نرى حال المجتمعات العربية اليوم، ولهذا السبب خيم الوهن والضعف على مجمل حياتهم ونشاطاتهم. إنها معضلة كبرى، كيف لا وكل حزب يحاول اكتساب شرعيته وقوته من الدين الحنيف رغم أنه في حقيقته ربما لا يخدم مصالح ومقاصد الإسلام بشكل صحيح. إذاً، لِعلة نشوء الأحزاب والتكتلات اختلط الحابل بالنابل فصار الجميع داخل تلك الدائرة الوهمية، وفي حالة حركة دائمة، وما يحتاجونه هو ضبط البوصلة إذا ما أرادوا تحديد سبيل النجاة. أخيرا، أعلم أن الجميع يقرأ قول الحق تبارك وتعالى "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا" لكنني لا أعلم كم هو عدد الذين يطبقون هذا القول على أرض الواقع!.