جاسر عبدالله الجهني


المدينة عاصمة الثقافة.. مناسبة تكبل يد القلم؛ فالمشاعر أعظم من أن يحيط بها حديث، ولا نعلم أهي الثقافة تحتفي بالمدينة أم المدينة تحتفي بالثقافة، الحقيقة أنه جمال يعانق الجمال وعرش من ضياءٍ يصافح أكف النقاء، كيف لا والمدينة رحمٌ ولد أعظم ثقافة وأسمى حضارة عرفتها البشرية، حين أذن الله لخير البرية بالهجرة لطيبة الطيبة، وما أن وطأت قدماه الشريفة الأرض المباركة حتى أسس دولةً أنارت دياجير الظلام في شتى أنحاء الأرض بشرعٍ سماوي مقدسٍ مطهر لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وخلقٍ رفيع يسمو ليصافح أكف المثالية ثقافة وحضارةً، رسخت في قلوب من انتمى إليها روح التسامح ورقي الفكر والسعي خلف العلم حيث كان، حضارة بدأت دستورها بكلمة اقرأ فأولت القراءة والعلم عظيم الاهتمام، ولا يعد اختيار المدينة المنورة عاصمة الثقافة الإسلامية 2013 حصراً لها لهذا العام؛ بل هي عاصمة الثقافة الإسلامية والحضارة العمرانية منذ أن وطئت القصواء أرض طيبة آنذاك، وهي تحمل على ظهرها منبع الثقافة والمصدر المشرع لها من الله عز وجل، منها انطلقت الجيوش الإسلامية حاملةً شمعات إنارة شوارع بغداد في الوقت الذي كانت فيه تعيش في ظلمات الجهل، كما شيدت أكبر أساسات الحضارة العمرانية بالقسطنطينية والأندلس؛ فهي بذلك عاصمة دائمة منذ بزوغ شمس ذلك اليوم حتى قيام الساعة، ونظراً لأهميتها ومكانتها العظيمة في قلوب المسلمين فهي تمتلك دوراً بارزاً في الساحات العربية والإسلامية؛ لكونها تشكل ثقلاً ثقافياً وحضارياً كبيراً لما تمتلكه من طاقات وإمكانات ثقافية وفنية وتاريخية.

فالمدينة المنورة كانت النواة التأسيسية لرسم السياسات والحضارات الإنسانية والثقافية للمدن التي يتم اختيارها في كل عام من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "الإيسيسكو". فاختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية ما هو إلا عودة للإيمان والعقيدة والعمران الأصيل والحضارة والعلم إلى منبعها الأصيل، ولا يجد القلم تشبيها لهذه المناسبة إلا أن يلحق الثقافة والمدينة بعودة ابن طال به السفر إلى أحضان أمه.