في الطابق الأرضي وما تحته من "البدروم" تعيش معنا شعوب وثقافات من كل فج وصوب، وكل ما بيننا وبينهم مجرد بضع كلمات من العربية المكسرة. علاقة تربط بين سكان عمارة ومن قاموس قرأت عنه في بعض الأبحاث أنه مجرد 150 كلمة: تخيلوا شعبا يعيش في الدورين الأعليين مع شعوب من 150 دولة في الطابق الأدنى وكل التواصل بقاموس من بضع ومئة كلمة. ماذا يصنع هذا الطابق الأرضي ومن تحته "البدروم" في شكل حياتك وتشكيلها لهذه الحياة. باختصار شديد: كل هذا الدور بشعوبه هو (الجيب) القابض لدورين استهلاكيين من فوقه.

خذ هذه النماذج من القصص الشاردة ما بين سكان دورين متعاقبين. من دور (البدروم) يحصل أحد سكان الدور الثاني، ومن الشقة الفارهة، على قرار ابتعاث لولده الذي (تصرمع) حتى اللحظة في جامعتين محليتين. من الدور الأرضي، أيضا، تخرج شفعة يحصل بموجبها أحد برجواز الطابق الثالث على موعد عملية في مشفى العيون الوطني المركزي بعد أن (لطعه) الطابور لعام ونصف. من قاع "البدروم" أيضا يتصدى قادم مجهول من أقصى شرق الأرض لمعاملة مقاول ضخم من هرم الدور الثالث وفجأة ينهي هذا (البدرومي) كل المستخلص الذي ينام في أدراج المسؤول لأكثر من سنة. معاملة بمئات الورق وآلاف الكلمات العربية الصحيحة الخالصة لم تر النور إلا على يد قادم إلى هذا (البنيان) وكل سلاحه اللغوي أقل من خمسين كلمة. أحيانا تكتشف أن (دهن السير) يبحث عن الألسنة الفقيرة في القاموس وأحيانا تكون (الفصاحة) وبالا ومشكلة. من الطابق الأرضي نشتري لحياتنا كل شيء: من الملح إلى الدجاج ومن الجوال المعلن إلى شريط (السي. دي) والمأكول والمشروب المحظور فنحن حتى في حيواتنا الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لا نستقدم بملياراتنا أرقى ما لدى كل الشعوب بل نكتفي بشراء (قاموس) صغير من 150 كلمة. في هذا القاموس الصغير كل دقائق حياتنا وتفاصيلها الصغيرة وفروعها الكبرى. هؤلاء لا يعيشون بيننا كما هو الطبيعي في (الملحق) فوق السطح بل في الأرضي حول القواعد ونشأة الأعمدة.