في هذا الشهر الكريم نسأل الله العلي العظيم أن يتقبل من الجميع صيامه، وقيامه، وأن يجعلنا فيه من المقبولين، والمتتبع لعملية استقبال هذا الشهر المبارك يجد أنها تختلف من مجتمع لآخر، وبدخول رمضان تختلف في كثير من المجتمعات أنماط الحركة، والنشاط، والفعاليات؛ ففيه يتم التركيز على العمل في ساعات الليل بشكل أكبر، ويتم فيه تقليص ساعات العمل عن المعدل، فقد يبدأ استقبال شهر رمضان قبل حلوله بعدة أيام عند البعض؛ حيث يقوم المتعجلون في هذا المجال بالتسوق، وشراء ما يحتاجونه، وما لا يحتاجونه من أسواق مختلفة، ويغلب على هذه الفئة أنها تشتري أكثر من احتياجها من مواد غذائية، وكمالية، ولكن ترى أن شهر رمضان له خصوصيته، ومن الضروري توفير هذه الأغراض قبل زحمة التسوق، وهناك من ينتظر حتى اليوم، أو الليلة التي تسبق حلول شهر رمضان ويبدأ فترة التسوق، وهذه الفئة تسهم في وجود الزحمة في الأسواق، والشوارع في هذه الأوقات، وهنا أتعجب من المتعجلين الذين يشترون أكثر مما يحتاجون، وأرى أن يشتروا ما يحتاجونه فعليا بعيدا عن الإسراف الذي ينتهي به المطاف في النفايات، أما المتأخرون فأقول لهم: لماذا الانتظار حتى آخر لحظة؟ ولماذا التركيز على هذا التوقيت؟ وهذا التصرف يجعل بعض التجار يرفع الأسعار نظرا للإقبال، وزيادة الطلب، وهناك فئة أخرى ترى أن استقبال الشهر الكريم لا يكون بالتسوق، وشراء الأغراض سواء الضروري، وغير الضروري، وإنما استقبال الشهر الكريم يكون بالاستعداد، الروحاني، والنفسي، والجسمي، واستغلال هذا الوقت في التقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، وصلة الأرحام، وتفقد أحوال الأقارب، والجيران، والمحتاجين لإدراكهم أن في هذا الشهر تتم مضاعفة الأعمال الصالحة.

وفي الليالي الأولى من الشهر الكريم تكون المساجد مزدحمة بالمصلين خاصة صلاة العشاء، والتراويح، وبعد ذلك يبدأ عدد المصلين في التناقص تدريجيا، ولا أعرف إذا كان ذلك نتيجة للحماس العالي في بداية رمضان، والذي ينخفض مستواه بمرور الوقت، وهنا أرى ضرورة الاستمرار في التقرب إلى الله في هذا الشهر، وغيره من الأوقات وبالحماس نفسه، وما يمكن ملاحظته في هذا الشهر الكريم أيضا هو أن هناك مساجد متقاربة في حي واحد، وتقام فيها صلاة العشاء، والتراويح على وجه الخصوص في أوقات مختلفة؛ حيث يتعجل بعضها في الصلاة قبل موعد الصلاة المحدد في تقويم أم القرى، والبعض الآخر قد يتأخر قليلا عن هذا الموعد، وهنا قد يكون من المناسب أن يتم الالتزام بالتوقيت المحدد، وتوحيد وقت الأذان، والإقامة في الحي الواحد، وفي المدينة الواحدة؛ لأن ذلك التفاوت قد يجعل المصلين يتجهون للمساجد المتعجلة، ويهجرون المساجد الأخرى القريبة منهم، الملاحظة الأخرى التي تتكرر في رمضان تقريبا كل عام هي الإقبال على بعض مساجد محددة؛ فنجد أن هناك مساجد قد لا تجد فيها مكانا لمصل واحد من بداية الصلاة، ومساجد أخرى لا يتعدى المصلون فيها صفا، أو صفين، وقد يكون هذا الإقبال نظرا لأن الإمام في هذا المسجد يتمتع بقراءة جيدة، أو لا يطيل الصلاة، أو أن المسجد جديد، وتكييفه جيد، وغير ذلك من العوامل الأخرى، والمهم هنا هو الإقبال الصحيح على الله، والتقرب إليه بنية صادقة.

وفي شهر رمضان أيضا يكون هناك تغيير للساعة البيولوجية لكثير من الناس خاصة الشباب؛ حيث يسهرون في ليالي رمضان، وينامون طوال يوم رمضان، والبعض الآخر يخطط ليتمتع بإجازته في شهر رمضان بعيدا عن بيئة العمل، وهنا أتساءل: هل النوم نهارا نتيجة للخوف من الجوع، أو من العطش؟ أم أنه اعتقاد أن هذه هي طبيعة هذا الشهر؟ وحقيقة الأمر أن هذا شعور زائف وليس له أساس من الصحة؛ ففي وقتنا الحاضر ساعات العمل مخفضة سواء في القطاع العام، أو الخاص، والظروف المناخية ولله الحمد يمكن تحملها من خلال وسائل التكييف الحديثة، والعمل في شهر رمضان فيه خير، وبركة، وكما نعرف جميعا أن كثيرا من الإنجازات الإسلامية من غزوات كانت في شهر رمضان، ولم يكن الصيام عائقا دون تحقيق العديد منها، والتخوف هنا يتمثل في تبني الجيل القادم للاعتقاد بأن شهر رمضان شهر راحة، وإجازة عن العمل، وسهر بالليل، ونوم بالنهار، وهذا توجه غير مقبول، فشهر رمضان يجب ألا ينظر إليه بهذه النظرة، وقد تكون إجازة الطلاب فيه لعدد من السنوات أسهمت في ذلك التوجه، ولكنه في الأعوام القادمة ستكون هناك دراسة في شهر رمضان، وهنا أقترح أن تبدأ فترة العمل في شهر رمضان في الموعد المعتاد؛ حيث يبدأ العمل في الساعة السابعة والنصف صباحا، ويكون موعد نهاية الدوام في هذا الشهر في الساعة الثانية عشرة والنصف ظهرا، وهنا تكون بقية اليوم متاحة لقضاء بعض الأعمال، أو الخلود للراحة والنوم بعض الشيء قبل صلاة العصر، وهنا أهمس أيضا في أذن كل شاب بألا يحرم نفسه من لذة نوم الليل ولو لساعات قليلة؛ لأن نوم الليل لا يمكن تعويضه بنوم النهار كاملا.