لفت نظري حديث سماحة المفتي العام للمملكة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ لهذه الصحيفة الأسبوع الماضي ودعوته مصلي التراويح إلى عدم الانسياق وراء الأصوات الحسنة بشكل يجعل مساجد الأحياء معطلة، وهو الأمر الذي تشهده المساجد مع دخول شهر رمضان المبارك إذ تبدأ ظاهرة تتبع الأئمة ذوي الأصوات الحسنة، وأضاف سماحته أنه لا شك أن الأصوات الحسنة تشجع الناس على صلاة التراويح وتجذبهم إلى المكان لكن ينبغي الاعتدال، والحقيقة أن ما أشار إليه سماحته هو عين المنطق والعقل فالبعض يخرج من بيته من بعد المغرب مباشرة وحتى لو أجل عشاءه إلى وقت لاحق في سبيل أن يلتحق بمسجد بعيد صوت إمامه حسن، وقد تفوت بعضهم الفريضة - كما جاء في الصحيفة - في سبيل إدراك التراويح! كما أضيف أن بعض المصلين المستعجلين يسأل عن المساجد التي تخرج من الصلاة مبكراً! وكأنه في عجلة من أمره إلا من كانت لهم ظروف عمل فأولئك لهم العذر وإلا فإن الشهر المبارك فرصة إيمانية عظيمة لكل منا للعمل الصالح من صلاة التراويح والنوافل والصدقات والبر والإحسان؛ لكن الطريف فيما نشرته الصحيفة بعد حديث سماحة المفتي أنها عددت المساجد في العاصمة التي يشتهر أئمتها بحسن الصوت وكأنها دعوة للمصلين للتعريف بهم!
لكن المناسبة مهمة للحديث عن بيوت الله التي جاء التوجيه الرباني بعمارتها من المؤمنين بالله واليوم الآخر (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر)، وعمار المساجد هم أهل الله كما جاء في الحديث الشريف؛ إذاً فالعمارة بالأصل والاصطلاح هي العمارة الروحية بالذكر والصلاة والقيام، لكن عمارتها المادية بالصيانة والفرش والطيب والنظافة أمر بالغ الأهمية في كل وقت وفي كل حين وهو في رمضان آكد وأبلغ، حيث كثافة المصلين وموائد الإفطار التي يحضرها عشرات العمال وقد لا يهتم بعضهم بالنظافة والله سبحانه وتعالى يقول (يابني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد)، وسبب نزول هذه الآية لا يتعلق بما أتحدث عنه، لكن يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: "ولهذه الآية وما ورد في معناها من السنة يستحب التجمل عند الصلاة والطيب لأنه من الزينة"..
والمساجد في بلادنا سواء تلك التي قامت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف ببنائها أو التي بناها المحسنون، وهم كثر بحمد الله، على الرغم مما تحظى به من عناية كريمة واهتمام هو الواجب تجاه بيوت الله إلا أن الأمر يحتاج إلى مضاعفة الجهد، وتكثيف الاهتمام من جميع الجوانب؛ فالصيانة والتكييف والفرش والنظافة ودورات المياه كلها أمور ذات أهمية بالغة، وهناك نواقص أساسية، فالمؤمل هو زيادة العناية ببيوت الله في كل ما تمت الإشارة إليه، وليت اهتمام الوزارة يكون بمستوى ما نقرؤه على لسان بعض مسؤوليها من تعليمات تصدرها للأئمة أو الخطباء، وهو أمر لا اعتراض عليه، لكن الالتفات لشؤون المساجد من أوجب واجبات الوزارة؛ فبعض المساجد خاصة التي يقوم ببنائها المحسنون لا تجد من الوزارة كامل العناية المطلوبة بل إن تجديد فرشها وإعادة تأهيلها يقوم به أهل الخير ولا تسهم الوزارة إلا بالقليل، وقد لا تلام في تجديد مساجد بناها المحسنون لكن الذي تعاتب عليه الوزارة أن بعض المساجد لها أوقاف لكن الذي يحدث أن ريع هذه الأوقاف يذهب للوزارة ولا يذهب للمساجد نفسها، وتقول إنها هي التي يجب أن تتولى الصرف عليها من تلك الأوقاف لكن الأمر لا يتم بالصورة المثلى.
بلادنا ولله الحمد بخير ورخاء وتتشرف بخدمة بيوت الله وتضعها في أولوياتها، فلا أقل من أن تعتني الوزارة بصيانة المساجد ودورات المياه التي لا تليق ببيوت الله! وبمناسبة الحديث عن بيوت الله والعناية بها فإني أود التذكير بما سبق للوزارة التنبيه عليه وهو تقنين مكبرات الصوت سواء داخل المسجد أو خارجه، فأغلب السماعات الخارجية عالية الصوت بل إن مكبرات الصوت الخارجية تتداخل في المساجد المتقاربة في الحي الواحد ويصل مداها إلى أبعد من الحي الذي فيه المسجد، وهذا غير مطلوب ولا مرغوب، فالمفروض أن مكبر الصوت هو للحاجة ولأهل الحي فقط، أما داخل المسجد فحدث ولا حرج، سماعات مرتفعة وصدى لا يتيح للمصلين متابعة التلاوة والخشوع، وأستغرب إصرار بعض الأئمة وخاصة الشباب منهم زادهم الله توفيقاً على رفع الصوت إلى درجة كبيرة، ويضاف إليه الصدى دون مراعاة لأسماع المصلين رغم أن بعضهم يتم تنبيههم لكنهم لا يغيرون من الأمر شيئاً، مع العلم أن الصوت الهادئ الخاشع هو المؤثر وهو الذي ينبغي؛ يقول فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين -رحمه الله- في فتوى له عن مكبرات الصوت "إنها إن كانت ذات صدى يولد مع حروف القرآن الكريم حروفاً أخرى فهذا لا يجوز وعلى الأئمة مراعاة ذلك".. لذلك فالمؤمل من الوزارة متابعة الأمر بل حتى لو تطلب الأمر القيام بجولات متفرقة ليطلعوا على واقع الحال، كما أهيب ببعض الأئمة وفقهم الله أن يراعوا المصلين ويأخذوا بآرائهم مع علمي أن كثيراً منهم حريصون على أداء رسالتهم على أكمل وجه، ولعله من المفارقات الجديرة بالذكر أن بعض مناطق المملكة تجعل السماعات الخارجية للأذان والإقامة فقط، وأنا لا أؤيد ذلك إذ من الأهمية أن يسمع الناس آيات الله تتلى لكن خير الأمور الوسط فلا إفراط ولا تفريط.. تقبل الله من الجميع الصيام والقيام وصالح الأعمال.