كلمات نابعة من قلب صادق وضمير يقظ وجهها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز إلى شعب المملكة والأشقاء المسلمين في كل بقاع الأرض بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، جاء فيها أن المملكة لن تقبل أن يخرج أحد ممتطياً لأحزاب ما أنزل الله بها من سلطان، ولا تقود إلا للنزاع والفشل، وأن المملكة التي شرفها الله بخدمة الحرمين الشريفين وأكرمها بذلك لن تسمح أبداً بأن يستغل الدين لباساً يتوارى خلفه المتطرفون والعابثون والطامحون لمصالحهم الخاصة، متنطعين ومغالين ومسيئين لصورة الإسلام العظيمة بممارساتهم المكشوفة وتأويلاتهم المرفوضة.
خلال الربيع العربي انتشرت الأحزاب (الإسلامية) بين الشعوب العربية، لتفوق 27 حزباً في تونس و14 في ليبيا و16 حزباً في مصر، وعلى رأسها تنظيم الإخوان المسلمين. لدى تربعهم سدة الحكم في مصر قبل عام، تفاخر عبد الحميد الغزالي المستشار السياسي لمرشد التنظيم بأن عدد الإخوان في مصر وصل إلى 15 مليونا، منهم 10 ملايين عضو و5 ملايين مؤيد لأفكارهم وسياساتهم. من المعروف أن لدى تنظيم الإخوان عشرة أركان تنحصر في الفهم والإخلاص والعمل والجهاد والتضحية والطاعة والثبات والتجرد والأخوة والثقة. ومع ذلك فإنه تنفيذاً للمادة 9 من اللائحة التنفيذية لتنظيم الإخوان المُعَدَلة في عام 1948، يتَرَبَع المرشد العام للإخوان على رأس تنظيمه لتحقيق الأركان العشرة من خلال هيمنته على أجهزة السلطة الداخلية الممثلة بمكتب الإرشاد العام ومجلس الشورى. وطبقا للمواد 49-54 من النظام الأساسي للإخوان، المُعَدَل في عام 1994، يصبح فرضاً على كافة المنتسبين للتنظيم ضرورة الالتزام بقرارات المرشد العام، والتي تشمل تنفيذ أركان التنظيم ومبادئ النظام الأساسي للإخوان، لذا ليس مستغرباً على هذا التنظيم، الذي تأسس في مدينة الإسماعيلية بمصر خلال شهر مارس 1928، أن يصبح جماعة إسلامية لأكبر حركة معارضة سياسية في كثير من الدول العربية. فسرعان ما انتشر فكر التنظيم في العديد من الدول، فوصل اليوم إلى أكثر من 72 دولة تضم معظم الدول العربية والإسلامية ودولاً غير إسلامية في جميع أرجاء العالم. وتعتمد اقتصادات الإخوان على التمويل الذاتي لأعضاء التنظيم من مؤيدين ومنتسبين ومنتظمين، حيث يلتزم كل عضو بدفع اشتراك شهري للجماعة، يقتطع من دخله الشهري بحد أدنى قدره 3% وحد أقصى لا يزيد عن 7%. انخراط الأحزاب (الإسلامية) في الصراع السياسي لن يفيد عالمنا الإسلامي، بل سيزيد من فرقتنا وتشتتنا وتجاهلنا لواقعنا المرير، وانجراف شعوبنا الإسلامية في ركاب الفتن خطوة أخرى نحو الهلاك. العالم الإسلامي في أمس الحاجة اليوم إلى قائد يلم شملنا، تتكاتف حوله شعوبنا المتعطشة للسلام والوئام لمواجهة المصير المشترك والتحديات الملحة. فالأمة الإسلامية التي تشكل 27% من سكان المعمورة تحتوي على 70% من فقراء العالم، والعالم الإسلامي الذي يتكون من 57 دولة لا يوجد من ضمنه دولة واحدة في مصاف دول العالم المتقدم، ولا يمتلك فريق كرة قدم واحدا من الدرجة الأولى. وبينما تراوحت نسبة البطالة في الغرب بين 5% و14% خلال العقدين الماضيين، فإن معدل المتوسط للبطالة في العالم الإسلامي يزيد على 20% بين الرجال و40% لدى النساء. وفي الوقت الذي تنخفض فيه نسبة التعليم بين شعوبنا الإسلامية إلى 40%، ترتفع في الغرب إلى 96%، لذا انخفض عدد علمائنا وخبرائنا إلى 230 عالما بين كل مليون مسلم، بينما هناك 5000 عالم بين كل مليون أميركي، و4000 في اليابان و2600 في أوروبا.
بدلاً من الأحزاب (الإسلامية) التي تولد الفرقة والتناحر وتهتك بالاقتصاد والتنمية، تصوروا لو تركزت جهود الشعوب الإسلامية على توطين الخدمات المصرفية الإسلامية والتأمين التكافلي، التي تعد حالياً من أسرع القطاعات الخدمية نمواً في العالم، حيث من المتوقع أن يبلغ حجم قطاع الخدمات المصرفية الإسلامية تريليون دولار في 2013، تديرها 300 مؤسسة مالية في أكثر من 75 دولة حول العالم بميزانيات تبلغ قيمتها نحو 300 مليار دولار. وتصوروا لو قام قطاع مؤسسات التكافل في التوسع والنمو، حيث تشير الإحصاءات الحديثة إلى أن هنالك أكثر من 100 شركة تكافل إسلامية، ونحو 318 صندوقا استثماريا متوافقا مع الشريعة الإسلامية تدير أصولا تربو قيمتها على 300 مليار دولار. بل تصوروا لو أخذنا بوسائل التمويل الإسلامي، الذي ينمو منذ العقد الماضي بنسبة تتراوح من 16% إلى 20% سنوياً، ليصل حجم الأصول الإسلامية 6,1 تريليونات دولار بنهاية عام 2012، بالإضافة إلى ارتفاع أصولها عالمياً إلى 6,6 تريليونات دولار في 2013. وتصوروا لو برعنا في سوق التأمين التكافلي العالمي، الذي يبلغ حوالي 12 مليار دولار أميركي، ومن المتوقع وصول حجم مساهمته في قطاع التأمين إلى 25 مليار دولار أميركي في عام 2015، ولو دخلنا في قطاع المواد الغذائية الحلال التي تواصل نموها بمعدلات لا تقل عن 4,8% سنوياً، لتصل إلى نحو 6,4 تريليونات دولار في عام 2020، مما يعني أن فرصاً استثمارية بنحو 3 تريليونات دولار تنتظر الدخول في هذا المجال خلال العامين القادمين.
خطاب خادم الحرمين الشريفين في رمضان لأبنائه في هذا الوطن وأشقائه في العالم الإسلامي جاء نابعاً من قلب صادق وضمير يقظ حتى لا يُسْتَغلُ الدين لباساً يتوارى خلفه المتطرفون والعابثون والطامحون لمصالحهم الخاصة، وحتى لا تضيع قضايانا المصيرية في خضم عبثهم.