بعد أن كانت رحلته الكتابية تتابع تحولات اللغات والأفكار الإنسانية، وأحيانا تنطلق إلى الفضاء لرصد تحركات "الأهلة" بالمناظير العلمية، خلافا لمن يصر على الرؤية بالعين المجردة. يبدو أن الأكاديمي المختص في اللسانيات واللغويات الدكتور حمزة المزيني، قرر التوجه إلى البحث في تفاصيل"الدماغ" البشري، من خلال ترجمته لأحد الكتب المثيرة للاهتمام عالميا في السنة الأخيرة وهو كتاب عالم الأعصاب الشهير الأميركي ديفيد إيجلمان "المتخفي .. حيوات الدماغ السرية" الصادر عن دار "جداول" وهو ضمن جديد الدار في معرض الرياض الدولي للكتاب. وبلمحة عامة على الكتاب يبدو أنه كتاب مختلف جدا في أسلوبه، حيث يجمع بين النظريات العلمية وخصوصا النفسية واللغة الجاذبة للقارئ من خلال ضرب الأمثلة الحياتية التي تمر أمام أنظارنا في كل الأوقات.

يقول الدكتور المزيني في حديث لـ"الوطن" حول الكتاب (يتميز الكتاب بكونه إطلالة شاملة على ما وصل إليه البحث العلمي عن الدماغ. كما يتميز بأن مؤلفه أحد الباحثين المتميزين في هذا المجال. وهو يقدم تفسيرات علمية مهمة لتصرفاتنا اليومية التي نظن أننا نقوم بها بوعي. أما ما يكشفه المؤلف فهو أن تصرفاتنا نتيجة لعمليات معقدة سريعة ينجزها الدماغ بمعزل عن إرادتنا). وفي رده على سؤال هل واجه صعوبة في ترجمة الكتاب يقول (لا أظن أن هناك كتبا سهلة وأخرى صعبة على الترجمة. ذلك أن أي عمل جاد يحتاج إلى بذل الجهد لإنجازه على وجه مفيد. وهذا يصح عن الترجمة وغيرها).

وفي مقدمته للكتاب يؤكد المزيني أن الكتاب حظي وما زال يحظى بشهرة عالمية كبيرة لكنه ينفي أن تكون هي السبب في تصديه للترجمة،( الذي دفعني إليه ـ يقصد الكتاب ـ الرغبة في دخول الأفكار العلمية التي يتضمنها إلى الثقافة العربية والرغبة في التدليل على أن اللغة العربية قادرة على التعبير عن دقائق الأفكار العلمية إذا خلصت نية المترجم وأخلص في عمله. أما العائد العلمي المنتظر من مثل هذا الكتاب فلا يحتاج إلى جواب). ويرفض مترجم كتاب" الغريزة اللغوية: كيف يبدع العقل" أن تكون ترجمته لهذا الكتاب ابتعادا عن الكتب الفكرية واللغوية والسياسية، ويعلق (لا أظن أنه يمكن التمييز بين فروع المعرفة البشرية. ذلك أنها كلها مهمة لإثراء معرفتنا ولغتنا). لكن التحدي الأكبر الذي يواجه المترجم في كتب كهذه كما يرى المزيني(هو أن تعبر عن المفاهيم العلمية بلغة عربية مؤدية).

وعرف الدكتور المزيني بطروحاته المهمة حول قضية "رؤية الأهلة"، حتى أنه أشار لها بشكل عابر في مقدمة الكتاب عندما ذكر أن ما ذكره العالم الأمريكي يمكن أن يفيد في فهم البعد العلمي لموضوع الأهلة، ويوضح في إجابته على سؤال لـ"الوطن" حول الأمر أنه (لا ينبغي أن يكون موضوع الأهلة قضية خاصة بي، وأنا لست الوحيد الذي يكتب عنها. وينبغي على الجهات المسؤولة أن تقبل بما يقوله العلم عنها ليتوقف الحديث الموسمي عنها. ومناسبة ورود قضية الأهلة في مقدمة الكتاب أنها قضية علمية وحسب).

ويكثر الحديث في جميع المنتديات الثقافية عن واقع الترجمة من العربية وإليها. لكن المزيني يرى (هناك مترجمون جادون كثر في العالم العربي الآن، وهناك مراكز مهمة تعنى بالترجمة. وهذا يبشر بمستقبل جيد للترجمة). وعن رؤيته لما يمكن أن تقوم به جائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة في هذا الإطار؟ يقول (جائزة خادم الحرمين الشريفين دليل على الاهتمام العربي بالترجمة. وربما حفزت هذه الجائزة كثيرا من المؤهلين للانخراط في العمل بالترجمة وهذا جيد) مضيفا (أتمنى أن يقام حفل تسليم الجائزة في المملكة دائما بدلا من إقامته في عواصم خارجية. ذلك أن تسليمها في المملكة يؤكد ارتباطها بثقافتنا. أما تسليمها في عواصم خارجية فسيجعلها لا تزيد عن حدث غريب مجهول في تلك العواصم، وستكون حدثا عارضا في داخل المملكة. يضاف إلى ذلك أن الأموال الطائلة التي تصرف على إقامة حفل تسليمها في الخارج يمكن أن يستفاد منها في الصرف على ما يسهم في تمويل بعض النشاطات العلمية المرتبطة بها).

أما عن تطلعه للحصول على جائزة عن ترجمة الكتاب، فيؤكد المزيني أن (الجائزة التي أتمناها أن يقرأ الكتاب وأن تصبح الأفكار العلمية التي يتضمنها جزءا من الثقافة العامة، وأن يصل إلى أيدي المتخصصين ليكون رافدا للمعرفة العلمية في جامعاتنا).