بين يدي تقرير حديث صادر من أمانة الشرقية يحوي معلومات وأرقاما حديثة ودقيقة تكشف حجم الجهد النوعي الذي بذل في مواجهة مجموعة من التجار، بينهم أسماء مشهورة تبيع مواد غذائية منتهية الصلاحية أو مخزنة بكيفية تتعارض مع أبجديات الصحة والسلامة، أو أنها تعد وتجهز في بيئة قذرة.

الحملة التي شملت مدن الدمام والخبر والظهران وركزت على مخازن للمواد الصحية أعلم أنها ليست الأولى التي تقوم بها الأمانة، بل هي حملة من عدة حملات تنفذ منذ سنوات، لكن ما يحدث في أمانة الشرقية في هذا الجانب المهم شبه مجهول لدى الرأي العام؛ بينما ما قامت به أمانة الرياض خلال الأسابيع الماضية وبمستوى مماثل لما قامت به أمانة الدمام أو بمستوى أقل بات حديث الشارع السعودي ولاقى إعجابا وإشادة من الجميع، وفي ظني أن كل عثرات وأخطاء أمانة الرياض وجوانب القصور التي يشكو الناس منها تلاشت أمام ما برز على السطح من جهد لافت وكبير في مطاردة أصحاب المطاعم والمخابز وإغلاقها ومعاقبتها جراء عدم التزامها بالأنظمة وعلى رأسها انعدام النظافة.

وددت من هذه المقارنة التأكيد على حقيقة يتجاهلها بعض المسؤولين في القطاع الحكومي وأقصد بها سلطة الإعلام وقدرته على التأثير وإدارة الرأي العام، وأنا هنا بالطبع لا أعني أمانة الشرقية مطلقا لكنني أوردت مثالين في جانب مهم لأوضح تلك الحقيقة، فقد قابلت البعض ممن يتحرجون في الظهور إعلاميا أو لا يميلون إلى نشر أعمالهم وجهودهم عبر وسائل الإعلام بحجة أن ذلك قد يصنف على أنه تلميع، والحق أنني أفرح حينما أجد مسؤولا لا يحب الظهور في الإعلام ولكنني لا أجد عذرا له عندما لا يستثمر الإعلام للتعريف بتجارب ناجحة ومبادرات لافتة قام بها، فإظهار النماذج الناجحة يكشف بشكل غير مباشر النماذج الفاشلة خاصة في مجالات العمل المتشابهة.

وهناك الكثير من الأعمال الجميلة التي لم يعرف عنها أحد أو أنها لم تصمد بسبب عدم وجود ذراع إعلامي لها، كما أن هناك الكثير من الأعمال والمبادرات التي كان بالإمكان لها أن تسجل حضورا وتأثيرا وتفاعلا أفضل، لو أنها دعمت بإعلام، وهناك عدة نماذج لمشاريع وأنظمة وقوانين جديدة لم تحقق أهدافها ورسائلها ولاقت صدا واعتراضا من الرأي العام لأنها لم تسند بخطط اتصالية، ولعل توجيه القيادة في بلادنا بين فترة وأخرى كافة قطاعات الدولة للاستعانة بالإعلام للتعريف بجهودها وإنجازاتها ومشاريعها شاهد آخر يعزز ما ذهبت إليه من أن بعض الأعمال والمشاريع لا يمكن لها أن تنجح دون أن يكون لها ذراع إعلامية تسندها وتعرف بها وتدير أزماتها إعلاميا عندما تقع.

بقي أن أقول إن جل القطاعات الحكومية عندنا ليس لديه إعلام ناضج يعمل وفق خطط اتصالية استراتيجية، فمعظم ما تقوم به إدارات العلاقات العامة في هذه الوزارات والإدارات ليس له علاقة بالإعلام المؤثر والفاعل والمقنع والذي يحدث تغييرا يصب في مصلحة تلك الجهات ويعزز من صورتها ويحقق أهدافها ويروج لفكرها ورسائلها بلغة موضوعية تلقى قبولا وتفاعلا من المستهدفين، وتحقق رضا ورغبة صاحب القرار.