شكلت أحداث مصر الأخيرة صدمة وخوفا من المستقبل عند الكثير من الناس، لم يصدقوا أن مصر "أم الدنيا"، الحاضنة لكل العرب، الشعب الطيب المتسامح البسيط يصل إلى هذه الدرجة من العنف والشراسة، وأنا أخص هنا مصر تحديدا، فما حدث فيها نقطة في بحر ما حدث في سورية والعراق وقبلهما أفغانستان، لكن ما جعلني أرغب في الكتابة عن الموضوع، هو قدرة النفس البشرية، تذكرت هنا امرأة بريطانية قامت بعمل تجربة تحاول من خلالها قياس حدود النفس البشرية، إذا سمح لها بعمل ما تريد من غير ضوابط، قامت بالوقوف في الشارع متجردة من ملابسها، بجانبها طاولة وضعت عليها وردا ومسمارا وقطنا وريشة ودبوسا ومقصا ومشرطا وقلما وورقة مكتوبا عليها مسموح لكم أن تستخدموا الأدوات على جسدي كيفما يحلو لكم، فكانت النتيجة مرعبة لدرجة أدخلتها المستشفى، تقول إن الناس بادئ ذي بدء كانت تضع الورود على شعرها وتزينه بالريش، ثم أخذت تحدث لها خدوشا بسيطة في جسدها باستخدام شوك الورود، وتطورت الأمور إلى أن حاول أحدهم طعنها، فمن هذه التجربة تأكدت أن النفس البشرية قادرة على القيام بأي شيء إذا أعطيت المجال، يصف الدكتور مصطفى محمود علاقة نفس كل منا بروحه وجسده "بعلاقة ذرة الحديد بالمجال المغناطيسي ذي القطبين. والذي يحدث للنفس دائما هو حالة استقطاب، إما انجذاب وهبوط إلى الجسد، وهذا هو ما يحدث للنفس الجسدانية الحيوانية، وإما انجذاب وصعود إلى الروح إلى القيم والأخلاق الربانية، وهو ما يحدث للنفس الروحانية. فالنفس منذ خلق البشرية في حركة وتذبذب واستقطاب بين القطب الروحي وبين القطب الجسدي. مرة تطغى عليها ناريتها وطينتها، ومرة تغلبها شفافيتها وطهارتها. والجسد والروح هما مجال الامتحان والابتلاء، فتبتلى النفس وتمتحن بهاتين القوتين الجاذبتين إلى أسفل وإلى أعلى لتخرج سرها، وتفصح عن حقيقتها ورتبتها وليظهر خيرها وشرها".

وبناء على كلام الدكتور مصطفى محمود، فالإنسان عبارة عن نفس، النفس التي تولد وهي من تبعث وتحاسب وتُمتحن وتبتلى وهي المذكورة دائماً في الكتاب الكريم: (ياأيتها النفس المطمئنة* ارجعي إلى ربك راضية مرضية* فادخلي في عبادي* وادخلي جنتي) الفجر: 27-30. وقوله سبحانه: (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذريةً من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون، وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون) الأعراف: 172-174.

وقال سبحانه وتعالى عن النفس المطمئنة: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ) سورة الفجر: 27. وقال تعالى في النفس اللوامة: (وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) سورة القيامة: 2، أما النفس الأمارة بالسوء، فقد قال تعالى عنها: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) سورة يوسف: 53.

ماذا حدث يا ترى في المجال المغناطيسي للنفس البشرية المصرية؟ ماذا حدث حتى أفقدها تسامحها وطيبتها وتعايشها؟ من لعب في مجال أنفسهم المغناطيسي؟ فهم لم يوقظوا فتنة بل خلقوها في المجال الذي كان متوازنا وطبيعيا، المجال الذي أنتج لنا روائع وأمثلة لن تتكرر.

فلنذكر النفس البشرية المصرية بأغنية الجميلة شادية، لعلنا نستطيع الإسهام في إعادة المجال المغناطيسي إلى سابق عهده:

"يا بلادي

يا أحلى البلاد يا بلادي

فداكي أنا والولاد يا بلادي

بلادي يا حبيبتي يا مصر يا مصر

يـا مصر

ما شفش الأمل في عيون الولاد

وصبايا البلد

ولا شاف العمل سهران في البلاد

والعزم اتولد

ولا شاف النيل في أحضان الشجر

ولا سمع مواويل

في ليالي القمر

أصله معداش على مصر

يا حبيبتي يا مصر يا مصر".