للقطاع المصرفي دور رئيسي في تنمية الاقتصاد الوطني لكل دولة، ولذلك فإن سلامة موقفه المالي وقدرته على الاستمرار في لعب الدور المنوط به يعدان من أهم المعايير التي تعمل البنوك المركزية والحكومات للحفاظ عليها. ولا أدل على ذلك من التدخل الحكومي المباشر في أسواق رأسمالية، طالما عرفت بأنها تعتمد سياسة السوق الحرة، عندما كشفت أزمة شح الائتمان العالمية في أواخر عام 2008، عن هشاشة النظام المالي ككل.
فالبنوك دائما ما تواجه معضلة توفير السيولة، كون نشاطها يعتمد على تمويل قروض وأصول طويلة الأجل، بأموال المودعين والتي تميل لأن تكون أقصر أجلا، خصوصا ودائع الحسابات الجارية التي يمكن للعميل سحبها وقتما أراد. ولذلك فقد عكفت المصارف المركزية حول العالم على دراسة نتائج الأزمة الاقتصادية العالمية السابقة، وسن قوانين وتشريعات تقيد رأس المال المصرفي اللامحدود، وتؤطره ضمن مصلحة الاقتصاد الوطني العامة.
وللتأكد من سلامة الموقف المالي للقطاع المصرفي، قام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بإجراء اختبارات جهد لكافة البنوك الأمريكية. وقد تبعه في ذلك البنك المركزي الأوروبي بعد أزمة الديون اليونانية. هذه الاختبارات تتضمن سيناريوهات سيئة قد تعصف بالاقتصاد ككل، وهي بالسوء لدرجة أنه لم يكن مقدرا لها أن تحدث إلا مرة كل 25 عاما. وبالتالي فإن نجاح المصارف في هذه الاختبارات يعطي دلالات وإشارات إيجابية للاقتصاد على أن احتمالية انهيار المصارف بعيدة، وبالتالي يستمر تدفق النقد من وإلى المصارف بطريقة تعظم من الاستفادة من السيولة إلى الحدود القصوى، الأمر الذي يساهم بشكل حيوي في الحركة التجارية والإنفاق الاستهلاكي. السبب في إجراء اختباري الجهد الأمريكي والأوروبي كان وراءه أصول رديئة الجودة. ففي أمريكا مازالت المصارف تمتلك رهونا عقارية مشكوك في قدرتها على تحصيلها، وفي أوروبا تنكشف بنوك عدة على الديون اليونانية. ولذلك فإن اختبارات الجهد تعتمد قدرة البنك على متابعة نشاطاته في حالة عدم تحصيله لهذه الأصول الرديئة.
وتسعى البنوك المركزية اليوم نحو تأسيس قواعد للتأكد من سلامة القطاع المصرفي ككل. أحد أهم تبعات الأزمة المالية العالمية كان انتشار عدوى شح الائتمان من المصارف إلى الاقتصاد الكلي. فبعد أن أحجمت المصارف عن إقراض بعضها البعض، توقف تدفق الائتمان إلى كافة الأنشطة التجارية. تسبب هذا التوقف المفاجئ في حركة الائتمان في فشل العديد من المصانع والشركات، ما تبعه زيادة كبيرة في أعداد العاطلين عن العمل، وبالتالي توقف الناس عن الشراء، فدخل الاقتصاد في حلقة مفرغة من الكساد. ما تقوم به البنوك المركزية اليوم هو اعتراف منها باحتمال وقوع أزمات مقبلة، وهي لا تحاول منعها، إنما التخفيف من آثارها على الاقتصاد الكلي.