نتيجة انشغالنا طيلة حياتنا بتفسير نظرية المؤامرة المحاكة ضدنا، وشغفنا المنقطع النظير بفك طلاسم السياسة التي لا نفهمها، وتورطنا الفريد في تغييب العقل وتشتيت الفكر واستباحة الضمير، أصبح من المستحيل لفت انتباه عالمنا العربي لكنوزه الاقتصادية المهجورة وقضاياه المصيرية المنكوبة.
الوطن العربي يخسر سنويا 122 مليار دولار أميركي نتيجة لعدم الاستفادة من تدوير النفايات الصلبة التي ينتجها. في دول الخليج العربية يقدر حجم النفايات الصلبة بنحو 92 مليون طن سنويا، وتشكل المخلفات الإنشائية 53% منها والنفايات البلدية 33%، فيما تبلغ النفايات الصناعية 14% من إجمالي النفايات. حصة السعودية فقط من النفايات الصلبة تشكل نحو 65% أو ما يعادل نحو 17 مليون طن سنويا، ليفوق معدل ما ينتجه الفرد السعودي سنويا من هذه النفايات 675 كيلو جراما، وهو من بين أعلى النسب عالميا، حيث يصل هذا المعدل للفرد الواحد 790 كيلو جراما في أميركا و512 في بريطانيا، و297 كيلو جراما في الهند.
النفايات الصلبة تنقسم إلى عدة أنواع، معظمها ناتج عن مخلفات البناء، وأهمها النفايات البلدية والصناعية والزراعية، إلا أن أخطرها النفايات الطبية والنووية والإلكترونية.
قبل أيام حذرت منظمة الأمم المتحدة من تفاقم مشكلة النفايات على مستوى العالم، مشيرة إلى أن سكان الكرة الأرضية الذين يفوق عددهم 7 مليارات نسمة، ينتجون نحو 5 مليارات طن من النفايات سنويا وبمعدل نمو سنوي يزيد على 10%. وأكدت المنظمة ارتباط كمية النفايات المنتجة بمستوى المعيشة وحجم الدخل، فكلما ارتفع مستوى معيشة الفرد وزاد دخله، تزداد كمية النفايات التي ينتجها. في الدول المتقدمة يرتفع متوسط إنتاج الفرد الواحد من النفايات إلى 700 كيلو جرام سنويا، بينما يتراوح هذا المتوسط بين 470 كيلو جراما في الدول النامية و150 كيلو جراما فقط في الدول الفقيرة. لذا تتبنى الدول المتقدمة سياسات صارمة للتقليل من كمية النفايات المنتجة سنويا وتهتم بعمليات تدويرها بطريقة آمنة، وهو ما يكلفها أموالا طائلة تصل في دول الاتحاد الأوروبي إلى أكثر من 75 مليار دولار سنويا.
خطورة النفايات تزداد تفاقما مع طرق التخلص منها، خاصة بعد اكتشاف أكبر موقع للنفايات في العالم في المحيط الهادي في 1997، الذي أطلق عليه اسم "مستنقع النفايات الكبير في المحيط الهادي". تمتد مساحة المستنقع التقديرية ما يقارب 700 ألف كلم مربع، أي ما يقارب ضعف مساحة ولاية تكساس الأميركية، ويقدر حجم النفايات فيه بحوالي 4 ملايين طن من البلاستيك والمواد الأخرى. للأسف الشديد أن الدول الصناعية الكبرى وعلى رأسها أميركا واليابان وأستراليا وبريطانيا وكندا، تقوم بتوزيع نفاياتها على الدول النامية مثل الصين والهند والفلبين وبعض الدول العربية لدفنها أو إعادة تدويرها. ولضعف مواقفها تتعرض الدول النامية والفقيرة المستقبلة للنفايات للضغوط الشديدة لقبول دفن نفايات الدول الغنية في أراضيها، على الرغم من مخالفة ذلك لاتفاقية "بازل" المبرمة بين 163 دولة في 22 مارس 1989، والتي أكدت على خطورة النفايات على صحة الإنسان وتحديد التدابير اللازمة للتعامل مع إنتاجها ونقلها وضمان حسن إدارتها ووسائل التخلص منها بطرق سليمة بيئيا.
أما المخلفات الإلكترونية فهي الأسرع تراكما في جميع أنحاء العالم وبشكل يفوق 3 أضعاف جميع المخلفات الأخرى. وتشكل هذه المخلفات حاليا ما نسبته 5% تقريبا من إجمالي المخلفات الصلبة في البلديات على الصعيد العالمي وتبلغ كميتها أكثر من 50 مليون طن سنويا، وذلك نتيجة لزيادة عدد أجهزة الكمبيوتر الشخصية إلى أكثر من 2 مليار وأجهزة الهاتف الجوال إلى 6 مليارات على مستوى العالم بمعدل زيادة سنوية تصل إلى 12%. هذه الأجهزة تحتوي على أكثر من 1000 مادة كيميائية مختلفة، مثل المعادن بنسبة 49% والبلاستيك بنسبة 23% والزجاج بنسبة 18% والدوائر الإلكترونية بنسبة 2%، وجميعها من المواد الضارة ذات المكونات السامة التي تلحق الضرر بالجهاز العصبي والدورة الدموية والكلى ولها تأثير سلبي على التقدم والنمو العقلي والجسمي لدى الأطفال، عدا عن تلويثها للبيئة.
وتشير الدراسات إلى أن العالم يعاني اليوم من إنتاج ما يزيد على 50 مليون طن سنويا من النفايات الإلكترونية، حيث تنتج أميركا وحدها 30 مليون جهاز كمبيوتر سنويا، وتتخلص الدول الأوروبية من حوالي 100 مليون جهاز هاتف متنقل سنويا، بينما تضاعفت المخلفات الإلكترونية خلال العقد الماضي 400% في الصين و500% في الهند و300% في دول الخليج العربية.
لمواجهة مخاطر النفايات الصلبة عامة والإلكترونية خاصة لجأت العديد من دول العالم إلى تطبيق مبادرات التخلص منها بصورة سليمة وتدويرها صناعيا للاستفادة من مكوناتها. في الدول الصناعية المتقدمة وصل عدد مصانع تدوير النفايات طبقا لآخر إحصائية صادرة عن الاتحاد الدولي للنفايات الصلبة، إلى 512 مصنعا في دول الاتحاد الأوروبي و121 في أميركا و98 في اليابان و55 في الصين و16 مصنعا في أستراليا ونيوزيلندا، بينما لا يوجد سوى 3 مصانع يتيمة في جميع أرجاء العالم العربي. ومع نجاح كل من نيجيريا وكينيا وأوغندا وغانا في التعامل مع النفايات الصلبة، إلا أن دول العالم العربي ما زالت عاجزة عن الاستفادة من هذه النفايات أو مواجهة مخاطرها.
في عالمنا العربي العديد من الفرص الثمينة التي افتقدناها لشغفنا بالسياسة ونظرية المؤامرة، فتحولت إلى كنوز مهجورة أو قبور مستورة.