سئل ابن مسعود: كيف كنتم تستقبلون شهر رمضان؟ فقال: "ما كان أحدنا يجرؤ على استقبال الهلال وفي قلبه ذرة حقد على أخيه المسلم" الآن، واليوم كيف يستقبل الناس رمضان؟ كيف هي الوجوه ذات العشرات من الأقنعة، وشر الناس ذو الوجهين؟ كيف هي الأنفس الممتلئة بالحقد والحسد والكراهية. فيأتي رمضان ويذهب رمضان وهم على حالهم لا يتغيرون. تتغير ألسنتهم بحسن الكلام والمنطق. ماذا عن باطنهم الذي غير ظاهرهم؟ يضمرون الشر ويظهرون الخير والوداعة.. ماذا عن الغاضبين الحانقين الممتلئين بالغضب الأسود؟ كيف تصفو نفوسهم؟ ما فائدة امتناعهم عن الشراب والطعام؟ الصيام ليس صياما عما نأكل من وجبات؛ الصيام طهور النفس والروح والتسامح والغفران.. رمضان ليس مجرد طقوس سنوية تؤدى بظاهرها وليس بباطنها، رمضان مواجهة الإنسان لذاته. وماذا يحمل في قلبه وروحه ووعيه.

لا يجب أن نستهين بفكرة تأدية طقوس مجردة من مضامينها الروحية.. عدم المسامحة، الأحقاد والغضب سهام مسمومة تخترق وعي الجماهير وتؤثر على سلامهم وإنسانيتهم في ظل غياب ثقافة الغفران والتسامح بشكل عملي على أرض الواقع، مما أوجد أخلاقيات مضطربة تدعي التسامح والإنسانية وليس لها علاقة صلة بهذين المفهومين، فأصحابها يرددون الأحاديث النبوية عن التسامح ولا يطبقونه ويعلمون معنى أن يكون الإنسان حقودا ظالما مدعيا غير هذا، لكنهم مستمرون في طريقهم والكذب على أنفسهم بأنهم صالحون محبون بقلوب بيضاء. وهذه أكبر الكذبات التي يمكن أن يعيشها البشر فيخدعون ذواتهم بما ليس فيهم، ويعتقدون أنهم الأفضل بينما تضخ قلوبهم بالحقد والحسد والضغينة. ثم يأتي رمضان فيمارسون أدوار النبل والطيبة والنقاء. هذه الكذبات والتناقضات التي يعيش معظم الناس عليها ومن خلالها هي مما بين المرء وربه، هو أعلم بها فما نفع الادعاء بغير ما تحويه الصدور غير أنه شكل من أشكال النفاق. علينا جميعا مواجهة هذه الأمراض والتخلص منها لنتفرغ إلى ما هو أهم وأسمى، ليرى أولادنا وأولاد أولادنا كم نحن جيدون ومسالمون عندما يكون التسامح والإنسانية منهاجنا في الحياة.

سيختفي الكثير من المشاكل إذا تعَلم الناس التسامح مع بعضهم بَدلاً مـن الكذب على بعضهم. كما أن الإيمان والطمأنينة ليس طقساً تؤديه، فابحث عن إيمانك وتسامحك إذا كنت مضطرباً.. وحينما تجد إيمانك ستجد نفسك.