لم يكن موقف جيش مصر الوطني انقلابا عسكريا، فهذا لغو فارغ يردده بعض الموتورين من الأنظمة التي تعاقبت على حكم مصر منذ نهاية عهد الملك فاروق مرورا بالمرحلة الناصرية وصولا لعهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، هذا فضلا عن جيوش المستفيدين من نظام الإخوان المنهار والرئيس المعزول وجماعته، وإلا كنا شاهدنا جنرالا في قصر الاتحادية الرئاسي، وآخر في البرلمان وثالثا في رئاسة الحكومة، لكنه دور الجيش الذي تصدى له ينبع من صلب مهامه الدستورية في حماية الجبهة الداخلية من مخطط الحرب الأهلية الذي كانت تعده جماعة الإخوان، ومن ثم فلا مجال لإفساد فرحة ملايين المصريين بعودة مصر لأهلها، بعد سلسلة الجرائم والحماقات التي ارتكبها نظام الإخوان ليكتبوا نهاية مشروع الإسلام السياسي في المنطقة، وفي وقت قياسي لم يكن أكثر المتفائلين يتوقعه، مجرد عام واحد كان كفيلا بفشل (مشروع الأخونة) وتداعياته الدولية والإقليمية.
كم نصحناهم بالكف عن التغول ومحاولات ابتلاع الدولة والتغول على مؤسساتها، وكم بحت أصواتنا ونحن نحذرهم من الانفراد بكل مفاصل السلطة.. وحدتهم (الأخونة) لكنهم كانوا يسخرون منا ويستأسدون علينا بالميليشيات، سواء التابعة لهم، أو تلك التي جلبوها من حلفائهم من كتائب حركة حماس والجهاد، وكم صرخنا ونحن نناشدهم التوقف عن ممارسات الاستقواء بالمسجد تارة، وتنظيمات السلفية الجهادية (القاعدة) لإرهاب المصريين، وأن يكفوا عن تصدير الخوف واليأس للشعب وترويع الناس، لكن لا حياة لمن تنادي.
الآن انتهينا من (الجهاد الأصغر) وهو الإطاحة بنظام الفاشية الدينية، ومشروع (الأخونة) الذي كان عنوانا لتجربة حكم (الإسلام السياسي) لننتقل (للجهاد الأكبر) وهو إعادة بناء مؤسسات الدولة وفق أسس وطنية مستقلة عن أي فصيل سياسي، وصياغة دستور عصري يليق بمصر، ويستفتى عليه الشعب، ونمضي في خارطة سياسية قوامها الولاء للوطن والمكاشفة وعدم المزايدات، والأهم من هذا كله عدم شيوع شهوة الانتقام من أي فصيل أو جماعة، بل ينبغي علينا العمل بجدية وقلوب مفتوحة لتحقيق المصالحة الوطنية.
الإخوان ليس أمامهم سوى الامتثال لإرادة الشعب، وأحذرهم من التورط في العنف، أو التحريض عليه، وأؤكد لهم أننا ـ المصريين ـ مسالمون همنا الأول هو إعلاء شأن بلادنا ومواجهة أزماتها التي لا حصر لها، ولسنا مسكونين بروح الانتقام.
ومرة أخرى وأخيرة أنصحكم مخلصا لوجه الله ثم الوطن بأنه لا الجيش ولا الأمن ولا الشعب سيسمح بسيناريو الاقتتال الأهلي، وسيتصدى له الجميع بكل صرامة، وعلى شبابهم إعادة تأهيل أنفسهم ليكونوا متصالحين مع كافة أطياف المجتمع، وليفهموا أنهم شخصيا لم يهزموا في حرب، بل هزم مشروع ثعالبهم وشيوخهم وهو (التمكين)، فمصر أكبر من أن يعتليها فصيل أو جماعة، وأبارك للمصريين بعودة الروح لبلادنا بستانا يتسع للجميع، وأتصور أننا جميعا تعلمنا درسا تاريخيا قاسيا مفاده بأن الوطن للجميع والدين للديّان.
وحمدا لله على السلامة يا مصر، كم افتقدنا روحك السمحة الطيبة.