تصر جبهة الإنقاذ المعارضة للرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين على الحوار المشروط، ينفي عمرو موسى أن يكون الهدف هو إسقاط رئيس الجمهورية المنتخب، ويقول حمدين صباحي إنه لا يدعو إلى انتخابات رئاسية مبكرة، ويحمِّل محمد البرادعي رئيس الجمهورية المسؤولية عن قتل المتظاهرين، ثم الدعوة إلى التظاهر في ذكرى الثورة لإسقاط مرسي، ثم دعواتها المتكررة للمليونيات الفاشلة لنفس الغرض، والحركة وكل فصائل المعارضة متأكدون من انعدام فرصتهم في حشد الكتلة الحرجة من الشعب لإسقاط الرئيس، ومع ذلك هم مستمرون في المحاولات الفاشلة لاستنساخ ثورة جديدة ضد الرئيس مرسي تشبه ثورة الشعب ضد مبارك. وكلها محاولات لا تنجح إلا في زعزعة الاستقرار وتخفيض تصنيف مصر الائتماني، وتطفيش المستثمرين الأجانب، وعزوف السائحين عن مصر كمقصد لهم، وتوقف عجلة الصناعة والسياحة والاستثمار. فالمعارضة التي تخشى من الانتخابات ونتائجها التي تعرف يقيناً أنها لن تكون في صالحها قررت معاقبة الشعب بتجويعه وحصاره الاقتصادي، بالبطالة والفقر وارتفاع الأسعار، أملاً في أن يسقط النظام نتيجة التذمر الشعبي.

أنا شخصياً لا أميل إلى أن المعارضة تفكر بطريقة (فيها لأخفيها)، وفي نفس الوقت لا أشك في أن قادة جبهة الإنقاذ ونشطاءها لم يفهموا أن أغلبية الشعب غير مقتنعة بحججهم لإسقاط مرسي والإخوان، فهم يستخدمون نفس الدعايات التي كان يستخدمها مبارك ونظامه ضدهم. الناس تعرف أن المعارضة المتحدة الآن ضد الرئيس وضد الإخوان لا تستطيع أن تكون بديلاً مؤهلاً للحكم، فالإخوان وباقي حلفائهم من فصائل التيار الديني لديهم حد أدنى من التوافق حتى لو كانت نظرتهم لتطبيق الشريعة وحدودها مختلفة، بينما التناقض جوهري وكبير بين فصائل المعارضة، فالناصريون والاشتراكيون والشيوعيون يؤمنون بالتأميم وملكية الدولة لوسائل الإنتاج وهم يسعون إلى صراع الطبقات بين البروليتاليا (الطبقة العاملة) والبرجوازية (أصحاب رؤوس الأموال والأعمال)، بينما الليبراليون يؤمنون بالملكية الفردية وحرية رأس المال وسيادته، والمنهجان متعارضان ولا يمكن أن يتوافقا في نظام واحد. من جهة أخرى كانت معاناة الناس طوال سنوات حكم مبارك من الرأسماليين الليبراليين أصحاب الاحتكارات المحلية أو وكلاء الرأسمالية العالمية الذين أذلوا الناس وجوعوهم بينما كونوا المليارات من الفساد والرشوة والمحسوبية، في الوقت الذي كانوا فيه عرابين لمبارك ومشروعه لتوريث ابنه الحكم لتظل لهم نفس الثروات والامتيازات، أما الشيوعيون والذين يتهمون الإخوان بأنهم تنظيم سري ينسون أن حزبهم محظور منذ عام 1923 على يد يحيى إبراهيم باشا ثم حله سعد زغلول عام 1924 ومن يومها وهم يعملون في الخفاء وتحت الأرض مطاردين من الأمن في مختلف العصور، ومتهمين من الناس بالكفر وإنكار الأديان، لذلك لم تحظ دعوتهم بتأييد أو حب الناس على مدى عمرها الطويل، بينما الناس تعرف أن الإخوان كانوا هم (بعبع) مبارك طوال فترة حكمه، كما أنهم كانوا قريبين منهم على المستوى الشعبي في تقديم الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية، والناس ترى فيهم أنموذجا جديدا للحكم لم يختبر، مرجعية أفراده الدينية تجعل الفساد إن لم يكن بعيداً عنهم فإنه على الأقل سيكون أقل بكثير من العصر السابق.

يبقى هنا فرض لا يجب أن نغفل عنه وهو أيدي إسرائيل فيما يحدث الآن في مصر، ولا يجب أن ننسى ما سبق وقاله قادتهم، فوزير خارجية إسرائيل أفيجدور ليبرمان قال عندما قبض على مئة جاسوس إسرائيلي في لبنان قبيل ثورة 25 يناير 2011 مهوناً من إنجاز فرع المعلومات اللبناني "إن لبنان جبهة ثانوية لإسرائيل لأن الجبهة الرئيسة لها هي مصر، ونحن حريصون على وجود عميل لنا في كل قطاع فيها"، قال ليبرمان ذلك رغم أن الجبهة مع مصر هادئة منذ يناير 1974، بعد توقيع اتفاق فصل القوات الأول، بينما الجبهة الإسرائيلية اللبنانية مشتعلة بحروب لم تهدأ منذ عام 1978 وحتى الآن، وهو ما يعني إن الحرب مع مصر مستمرة ولكن بطرق غير الصراع العسكري المسلح.