لم أعد أصدق ما أقرؤه في وسائل الإعلام الإلكترونية أو التقليدية أو شبكات التواصل الاجتماعي، فكلما قرأت خبرا مثيرا للاهتمام يدلل على وجود مؤامرة مثلا، أوتجاوز مثبت بالدلائل، أُفاجأ بعد قليل بخروج خبر ينفي أو يدحض أو يشكك في الأدلة التي سبق أن قرأتها واعتقدت أنها واقع.
في عالمنا اليوم، أصبحت الحقيقة أمرا يصعب إثباته، وأصبحت الوقائع شبه المؤكدة قابلة للتشكيك بمجرد نية الطرف المتضرر وامتلاكه الوسائل التقنية والإعلامية والتواصلية التي تمكنه من زرع الشك وإخلال التوازن في الحوار ذي الاتجاه الواحد.
في مواقف العلماء مثلا؛ تجد هناك فتاوى تحرم أمرا معينا أوتجرم عملا آخر، وفي نفس الوقت ستجد ذات العالم وفي سياق آخر أو ظروف زمانية مختلفة يصدر فتوى تناقض موقفه السابق، لتضع المختصمين حول الموضوع في مأزق حقيقي حيال موقف ذلك العالم من تلك القضية، والتي قد تكون في أوقات معينة قضايا مصيرية.
في الأيام الماضية، تناقل المهتمون عددا من فتاوى بعض من علماء الإسلام الذين أصلوا في السنوات الثلاثين الأخيرة للصحوة ومدارسها الفكرية والحركية المختلفة حول رأيهم الديني بخصوص جماعة الإخوان المسلمين، فوصفها الأول بأنها لا تدعو للتوحيد ولا تحذر من الشرك والبدع، في حين ذكر شيخ ثان أنه ليس صحيحا أنهم من أهل السنة، لأنهم يحاربون السنة، إلا أنه اتضح أن الشيخ الأول لديه رأي مناقض للأول يقول فيه إنهم من أقرب الجماعات الإسلامية إلى الحق وأحرصها على تطبيقه، في وقت خرج تسجيل للشيخ الثاني ينفي أنه قال ما قاله عنهم في التسجيل الأول.
في الماضي كان التاريخ تسجله الكتب ويتناقله المهتمون، أما اليوم فإن التاريخ أصبح إلكترونيا يجتره الجميع لإثبات مواقفهم في حروبهم الكلامية والفكرية والإعلامية التي امتهنها الصغير قبل الكبير في هذا العالم الافتراضي الإلكتروني.
لا أعلم إن كان العيب في التاريخ الذي كان في الماضي يخفي ما يخفيه من تناقضات الشخوص والأسماء، أم هوعيب في هذا الجيل الذي أصبح ينبش في كل شيء حتى أصبح لديه القدرة على أن يخلق فينا الشك في كل شيء. إلا أن المؤكد ـ بالنسبة لي ـ هو أن القناعة التي تصل لها بذاتك أصدق بالنسبة لذاتك من ألف استدلال تأخذه دون أن تحرك عقلك لفهمه، ومن ثم تصديقه.