كتب المذكرات واليوميات أو المؤلفات الشخصية للسعوديين في غالبها لا تتعدى كونها حوارات صحفية مطولة بعد التقاعد، أو تجميعا لمقالات وكلمات ومشاركات سابقة، ووضعها في كتاب واحد، لكن اليوم، وفي ظل انتشار عشرات الآلاف من المبتعثين حول العالم صدرت لبعضهم كتب عبارة عن يوميات ومذكرات شخصية تسرد تجاربهم وحياتهم أثناء دراستهم ومعيشتهم بالخارج، وبدأت هذه المذكرات على شكل مدونات إلكترونية على شبكة الإنترنت، ثم تحول بعضها إلى كتب مطبوعة تباع في المكتبات ومعارض الكتب.

ياسين الصالحي الحاصل على درجة الماجستير من بريطانيا، ومؤلف كتاب "باص رقم 9" يقول "انتقالي لبريطانيا لإكمال الدراسة كان نقلة نوعية في نمط معيشتي وحياتي، فقد تعرضت لتجارب ومشاهدات يومية حرصت على تدوين بعضها في مدونة إلكترونية على الإنترنت، وما هي إلا فترة قصيرة حتى شرعت في جمع هذه المشاهدات في كتاب مطبوع، خاصة بعد اطلاعي على تجارب أخرى لطلاب سعوديين في الخارج قبل مرحلة الابتعاث، مثل كتاب "على ضفاف بحيرة الهايد بارك" الذي تضمن مذكرات المبتعثة في بريطانيا مرام مكاوي، وكتاب "سعوديون في أميركا" للإعلامي تركي الدخيل الذي كتبه أثناء تواجده في الولايات المتحدة إبان أحداث سبتمبر.

في كتابه "باص رقم 9" يحاول الصالحي التركيز على ما أثار انتباهه وإعجابه أثناء تواجده في بريطانيا، وأحيانا يكتب عما يحرك الحسرة في داخله ـ كما يقول ـ كبعض المشاعر كإحساس الطالبات السعوديات بالأمان حين يخرجن مثلا لشرب القهوة، أو المشي بالشارع في بريطانيا أكثر من بعض البلدان العربية، كما تحدث عن تجربته لأول مرة في لندن، وأورد قصصا حول الحياة مع العائلة الإنجليزية. والكتاب أقرب ما يكون لأدب الرحلات الذي يتضمن المشاهدات وبعض المقارنات.

ويعتقد الصالحي أن برنامج الابتعاث سيؤسس لثقافة مختلفة، وسيكون له تأثير ملحوظ على الثقافة المحلية، والحراك الأدبي والتأليف، إلا أنه يلفت إلى أن الأمر المالي سيقف عائقا أمام نشر وطباعة تجارب المبتعثين الشخصية، ولذلك تتجه هذه اليوميات والمذكرات إلى المدونات والشبكات الاجتماعية على الإنترنت، مشيرا إلى أن كثيرا من دور النشر العربية تطلب تكلفة طباعة الكتاب بالكامل، في غياب عقد اتفاق واضح، فيما تحتج دور النشر المحلية بأن ناشر المذكرات غالبا ما يكون كاتبا غير معروف، وبالتالي لن تغامر في تحمل تكاليف كتاب تجهل نسبة رواجه وأرباحه.

ومن أميركا صدر حديثا للطالب موسى الجارالله كتاب "أميركا في عيون مبتعث"، والذي يأتي بعد عدة محاولات أدبية لم تر النور، حيث اعتاد الجارالله كتابة يومياته وخاصة في رحلاته حول العالم كالصين، وتركيا، والتي ساعدته على بلورة كتاب خاص عن تجربته الدراسية في الولايات المتحدة، لنقل الفائدة للمبتعثين الآخرين.

يقول الجارالله إن الأحداث التي مر بها هي نفسها التي سيمر بها غيره من المبتعثين المستجدين، آملا أن يكون هذا الكتاب دليلا قصصيا شيقا للطلاب، والراغبين في زيارة أميركا.

ويتناول الكتاب التحديات التي يواجهها الطالب المستجد، ومن بينها البحث عن سكن، ومتطلبات الهجرة الأميركية، وكيفية الحصول على رخصة القيادة، والتعامل مع شركات الاتصالات والبنوك، وطريقة الالتحاق بالجامعة، ومتطلباتها، والاختبارات المطلوبة، وبعض الإرشادات حول التأقلم مع الثقافة الأميركية، ومقارنتها بثقافات أخرى مثل التي في أوروبا والصين، وكذلك قيادة السيارات وحركة المرور، والمواصلات، ونظام البريد، وكيفية التعرف على العناوين. كما يسرد مواقف متنوعة، ورحلاته إلى بعض المدن الأميركية. ولم يخف الجارالله تأثره أدبيا بالكاتب الراحل أنيس منصور، يقول "وجدت في رحلاته وكتاباته متعة كبيرة أحبها، وخصوصا في كتابه "حول العالم في مائتي يوم"، الأمر الذي شجعني على كتابة تجاربي ورحلاتي".

ويعتقد الجارالله أن الابتعاث مرحلة تتطور فيها الأفكار، ويعيد فيها الطالب النظر في كثير من أمور حياته، وفيها يطلع على ثقافات جديدة، وأساليب مختلفة في مواجهة مصاعب الحياة، ويخوض خلالها رحلة فكرية رائعة جديرة بنقلها وتدوينها. ويتفق الجارلله مع الصالحي في أن رأس المال سيكون أحد أهم الصعوبات.

ومن أستراليا استطاع طالب الدكتوراه يوسف النملة في كتابه "هشام وأليسا.. قصة مبتعث أم حكاية حب؟" أن يسرد تجربة مختلفة في مسيرة الابتعاث، حيث روي في كتابه قصة مبتعث إلى مدينة سيدني الأسترالية لدراسة الماجستير، وقع في حب فتاة أسترالية كانت تدرسه اللغة الإنجليزية، فتزوجها، إلا أن الفجوة الثقافية كانت عائقا كبيرا بينهما. وحرص النملة في هذا الكتاب على شرح كيفية الاستعداد، والتخطيط للسفر، واستغلال الوقت أثناء الدراسة.

وفي كتاب آخر وهو "المبتعث السعودي والذكاء الثقافي" اهتم النملة بشرح الفروقات الثقافية بين الشرق والغرب والتي قد تؤثر على المسيرة الدراسية للمبتعث، وكشف عن بعض وسائل الذكاء الثقافي التي يستطيع من خلالها المبتعثون التفوق.