اليتيم هذه الكلمة المؤلمة والتي تحمل في طياتها كثيرا من الأسى والحزن والتي لا يشعر بوطأتها الثقيلة والمؤلمة إلا من ذاق طعمها المر. فما معنى أن يفقد الطفل "فيصل" أبويه وهو لم يبلغ الست سنوات، وقد وجد نفسه فجأة وحيدا في مهب الريح دون قلب حنون ودون تلك الشجرة الوارفة الظلال، التي كان يتفيأ بظلالها حتى يشتد عوده وينمو عقله وتكبر آماله وطموحاته ويصبح عضوا نافعا في مجتمعه. لكن إرادة الله كانت الأقوى وهي فوق كل إرادة.

قصة معاناة الطفل اليتيم "فيصل" بدأت حين دفعت الشؤون الاجتماعية به إلى رجل بدلا من أن يكفله، تكفل بإذاقته أشد صنوف التعذيب الجسدي والنفسي من ضرب وركل وحرق وقطع وكسر في حادثة مأساوية مجردة من الإنسانية، كل ذلك تحت ذريعة تخليص الصغير من عادة التبول اللاإرادي لتكون النتيجة أنه فارق الحياة. الحادثة أثارت الرأي العام في وسائل التواصل الاجتماعي، وأنشئ له وسم تويتري استنكر من خلاله المغردون الحادثة ووصفوها بأنها الجريمة الأبشع في تاريخ الأرض، وبالرغم من أن هذه الحادثة كارثية بكل تفاصيلها، إلا أنني لم أكن في حالة تعجب واستغراب، وأنا أنظر للمشهد على طريقة "إذا عُرف السبب بطل العجب"، فلا غرابة ولا ذهول أن يستمر مسلسل العنف، في ظل غياب التشريعات القانونية لحماية المتعرضين للعنف، بالأمس "لمى" واليوم "فيصل" والبقية تأتي.. ومما يؤسى له، أنه لم يخرج إلى الآن قانون واضح وصريح وملزم، يجرّم العنف الأسري، ومحاسبة من ينتهك كرامة وحقوق الطفل. إنني أتساءل: ما مدى الجدية في البحث عن الحلول العملية في مواجهة هذه القضية؟

حقيقةَ أقولها بكل صراحة: لقد سئمنا من التصريحات المتكررة في الدفاع عن الطفولة وحمايتها، ولم نشهد على أرض الواقع أي تطبيق مع أن المملكة وقعت على اتفاقية حقوق الطفل، التي تتضمن 54 مادة واضحة وصريحة للحقوق التي يجب أن يتمتع بها الطفل، تحت أي سقف وفي أي زمان، حيث إن الإطار العام للاتفاقية يستند على عدم التمييز، وتضافر الجهود من أجل المصلحة الفضلى للطفل، والحق في الحياة، والحق في البقاء، والحق في النماء بمعنى تنمية الطفل صحة ورعاية في كافة النواحي في السلم وفي الحرب، وتطوير قدراته وصونه من أي اعتداء مادي أو معنوي. ويتفرع من الـ54 مادة بروتكولان اختياريان، والطفل اليتيم ورد ذكره في اتفاقية حقوق الطفل في المادة (20) الفقرة (1)، عندما عرفته بالطفل المحروم من بيئته العائلية بصفة موقتة أو دائمة، ولذلك يجب على كافة المؤسسات وبالخصوص وزارة الشؤون الاجتماعية اتخاذ كافة التدابير لحماية الأطفال من العنف وأهمية إعادة النظر في بعض أنظمة دور الحماية الخاصة بالأيتام، مثل: - المادة التي تنص على إخراج اليتيم من الدار متى بلغ الثامنة عشرة، بصرف النظر عن الحال التي هو عليها، فمنهم من لم يتجاوز في تعليمه المرحلة الابتدائية أو المتوسطة، فيخرج ذلك اليتيم إلى المجتمع وقد يكون يعاني من أمراض نفسية، فيصير فريسة سهلة الاصطياد لأولئك الباحثين عن عملاء للمخدرات أو السرقة أو الإرهاب. - ما يرتبط باليتيمة المطلقة التي لديها أولاد ذكور؛ إذ يُنتزعون من حضنها عند بلوغهم سن السابعة لينطلقوا بهم إلى دور خاصة بالذكور فقط، ممّا يجعل اليتيمة المطلقة لا تعود إلى الدار التي تربت فيها، وتعيش هائمة في الشوارع حاملة أطفالها، تحاول الحصول على لقمة عيش لها ولأطفالها.