كثير من المبتعثين يحمل معه جملة من العادات والتقاليد التي اعتادها، وإن لم يشعر بأثرها، وكل منهم يتأثر ويؤثر، ويعكس قيمته الإنسانية لغيره، فبمعادلة بسيطة لو أخذنا 200 ألف مبتعث ـ وهو عدد تقريبي لإجمالي الدارسين في الخارج ـ الذين يعدون سفراء لبلدهم وثقافتهم في بلدان الدراسة، فلو عكس كل مبتعث نظرة إيجابية عن ثقافته لخمسة أشخاص خلال هذه الفترة، سيكون هناك مليون شخص، لديهم نظرة إيجابية عن المملكة، وأبنائها في معظم دول العالم.
لنفترض أيضا، أن اثنين من هؤلاء الخمسة عادا لبلدهما الأم، ونقلا ما رأياه من إيجابيات، حتما سيساهم ذلك في محو ما كوّنه الإعلام من تصورات مغلوطة.
ومع اقتراب شهر الرحمة، نجد من المبتعثين من يشكو تعب الصيام في الغربة، وطول الوقت والدراسة، والجهد. والمبتعث لن يستطيع توصيل رسالته ما دام غير مقتنع بها، فإن حملنا في أنفسنا همّ تعب الصيام، فمن الصعب أن نقنع الآخرين برسالة الإسلام، وحكمة الصيام الأساسية، وفي هذه الحالة لا تلم غريبا ينظر إليك بعين الشفقة، وهو يراك تعمل عملا لا تعلم هدفه، ولا غايته.
المفترض أن ينتهز المبتعث شهر رمضان، ويجعله فرصة لإقناع الآخرين بأن شريعة الإسلام السمحة فرضت الصيام؛ لتربي النفس على قوة الإرادة، وترك الملذات التي اعتدناها، كي نستشعر ما يحسه الفقراء من الجوع والعطش، وفي نفس الوقت يأمرنا أن نبذل لهم المال والطعام، لنحس بقيمة ما نحن فيه من نعم.
يقول صاحبي السويسري جوليان "زميل الفصل": "كنت أحمل في عقلي فكرة أن كل السعوديين بدائيون، لا يعرفون أبجديات التعامل، إذ إنني لم أقابل أحدهم سابقا، ومنذ وصلت إلى سان دييجو وأنا أتفادى الاحتكاك بهم، أو الاختلاط معهم، وبعد فترة، وخلال نقاش عن العادات والتقاليد، كان على كل طالب التناقش مع زميله لمدة ساعة، وعندما تحدثت مع طالب سعودي، اكتشفت ما لم أكن أعلمه، وجذبتني بعض الأفكار، فدفعني ذلك للبحث في الإنترنت، واكتشفت حكمي المسبق الخاطئ، وأيقنت أننا نتأثر بما نسمع.