يتابع معظم الناس الأخبار في وسائل الإعلام بشكل دائم، المتعلم منهم والأمي، وبعضهم يفهمها بطريقة تختلف عن فهم الآخر وبعضهم ينشرها على هواه! وحتى الكاتب المتخصص قد تجانبه الحقيقة في الطرح والاستنتاج، إما عن جهل أو تجاهل! أو أن: كل ما يعلم لا يقال! وذلك عند قلة من الراسخين في علم السياسة وكتابها الأفذاذ واستخباراتهم.. فمعظم الحقيقة مخبأة في صندوق صانع القرار.. تدور المعارك الحربية وتضع أوزارها بخسارة الطرفين المتصارعين في معظم الأحوال! وتكرر القيادات والشعوب أخطاءها المميتة في كل مرة تلجأ فيها إلى السلاح، وإذا كانت الحروب وإراقة الدماء كالعمليات الجراحية للأمراض والأورام المزمنة والأطراف المتعفنة، فإنها ضرورة أحياناً، وضرورية في أحيان أخرى! ولكنها في النهاية لا تمنع الموت السريري أو الأبدي للكائن البشري وللدول.. والمجتمعات الإنسانية.
وإذا كان يقال بأن الحروب هي الحل النهائي لفشل المفاوضات في حل المشكلات المزمنة، فإنها قدر معظم المجتمعات والتجمعات البشرية على مرّ التاريخ، منذ جريمة القتل الأولى بين قابيل وهابيل وهما إخوة من أم وأب؟! وكان هذا الفعل الشائن هو بداية التراجيديا الدموية من الأزل وإلى الأبد، أو كما قال تعالى: "كُتب عليكم القتال وهو كره لكم.." الآية.
أما الشاعر الرجولي القديم فيقول:
كتب القتل والقتال علينا وعلى الغانيات جرّ الذيول!
وقد صدق بنسبة كبيرة! فمعظم، إن لم يكن كل من يقتل في ميادين المعارك والحروب، هم من الرجال؟! فأين المساواة التي تطالب بها النساء ما دمن لا يمتن مثل الرجال؟!
أعود بعد هذه التوطئة التي لا بد منها، فأقول إن معظم ما نراه من حروب ونكبات وفتن وثورات هي أولاً نتيجة لتصارع الخير والشر في النفوس البشرية ولو شاء الله لهدى الناس جميعاً! وإذا كان للخير ملائكة من عند الله سبحانه وتعالى يدعون له ويحضّون المرء عليه، فإن للشر شياطين يأمرون به، ويؤججون نيرانه ويشبّون حرائقه!
وإذا كان في الأفراد أُناس خيّرون، وآخرون شريرون، فكذلك في الدول والشعوب والمجتمعات، انظروا إلى القرن العشرين الماضي كيف دمرت حربان عالميتان الأخضر واليابس وقتلتا الملايين وخلفتا خراباً يضحك له الشيطان وجنوده! وأين؟ في دول متحضرة، ومجتمعات مرفهة، ودول منظمة، مقارنة بالدول والمجتمعات الأخرى خارج أوروبا وأميركا واليابان وحتى الاتحاد السوفيتي السابق. فأين التقدم؟ وأين التحضّر؟ وأين المدنية؟ من غول الشر والحرب والدمار؟ فلو حدثت تلك الحروب في بلاد متأخرة كأفريقيا أو عند شعوب بدائية متوحشة، لهان الأمر وكان طبيعياً، فالإنسان كلما تقدم وتطور كانت حياته أغلى.
إن الواقع المؤلم وسفك الدماء المستمر في دول وشعوب عربية وإسلامية لهو شيء يندى له الجبين والضمير الإنساني، ناهيك بالديني والأخلاقي، فتن وحروب في سورية والعراق ولبنان واليمن والصومال وأفغانستان وباكستان، بل وسفك دماء حتى في المساجد التي يُذكرُ فيها اسم الله كثيراً؟! فأين الوازع الديني على الأقل عند هذه الشعوب المسلمة، والقاتل والمقتول في النار كما ورد في الحديث الشريف، والفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله كما تعلمنا من ديننا.
أما الدول الكبرى فلا أقول إنها وحدها سبب المصائب والنكبات ولو أنها كذلك بالفعل، لأننا لو كنا محصنين وأقوياء لما نالت منا شيئاً، كالجسم السليم عندما تكون مناعته قوية فإن الأمراض أو الجراثيم لا تستطيع الفتك به.
إن اللعبة الأممية أكبر من واقعنا وقدراتنا الحالية، فها هم اجتمعوا في إيرلندا، اتفقوا أو اختلفوا؟ في السر أو العلن؟ ونحن الضحية على مائدتهم.. والقربان لإرادتهم المتعطشة للدماء والدمار والفناء، ومبدأ القوة المهيمنة وذوبان الضعيف في القوي. روسيا تلوّح بالفيتو وغيره مرة ومرتين وأكثر، لتدعيم القتل والدمار ـ والاستبداد في بلاد الشام، وأميركا تمارس ذلك الفيتو منذ قيام إسرائيل وحتى الغد ولا يهمها الحق أو العدل بل مصالحها الاستراتيجية في منطقتنا مما جعلها تمعن في تقوية إسرائيل كقلعة مدججة بالسلاحين التقليدي والنووي، بل وتعتبرها معنوياً على الأقل ولايتها الحادية والخمسين، وكلبها العقور المدلل؟!
تدبج المقالات في الصحف والمجلات كل يوم وتكتب آلاف التحليلات في وسائل الإعلام الأخرى و"النت" والكتب، وكلها أو معظمها ـ إذا تحفظنا ـ تدور حول المعنى! وتلف حول الحقيقة! كلعبة الكراسي المتحركة حيناً أو لعبة الاستغماية أحياناً!
والنتيجة.. أن هذه الدول الكبرى كلها ضدنا ما لم نكن مع مصالحها؟ وكلها تدير الدول الصغرى كأحجار الشطرنج، وكالمدير الكبير مع موظفيه الصغار! بالترغيب حيناً وبالترهيب دائماً، والعاقل من اعتبر بغيره؟! سورية، يريدونها كالعراق، تتدمر أولاً ويتدمر معها أعوانها من دول وأحزاب تتدخل الآن ـ وهي معروفة ـ وتستنزف شيئاً فشيئاً.. ثم تسقط طبيعياً! ولا تقوم إلا بعد عقود من السنين، وخسائر فادحة في الأرواح والممتلكات! ربما لا تعوض سريعاً، وبعضها لا يمكن تعويضه؟ ولكن انظروا إلى الأسباب والمسببات، ليعتدل نظام الأحكام والتفسيرات لما حدث ويحدث أمامنا.
أليس حزب البعث ـ الفاشي ـ النازي الذي تدربت كوادره في الدول الشيوعية السابقة هو المتسبب في كل هذا الدمار والخراب لبلدين وشعبين شقيقين (سورية والعراق) وضياع الجولان ونكبة 1967 وفقدان شط العرب وكردستان ومن قبلها عربستان؟! أليس هو الحزب الذي أخرج الطائفية والمذهبية من قمقمها وحكم البلدين طوال نصف قرن بالحديد والنار والاستخبارات وحثالة من الأشرار؟! إنني أدين فلسفة وكوادر هذا الحزب العبثي، وأحملهما مسببات الجريمة التي لم تنته فصولها بعد ولا آثارها كذلك. سورية ولبنان والعراق، بفضل اللعبة الدولية ومصلحة إسرائيل، ومن قبل ذلك أخطاء قياداتها، تنحدر الآن كلها للهاوية حكومات وشعوباً ومستقبلاً!
روسيا الحالية وريثة الاستبداد السوفيتي السابق لها قواعد ومصالح في سورية وإيران، وبالتالي تساعد الدكتاتورية والقتل والدمار، بل إن (بوتين) قبل أن يكون رئيساً كان مديراً للاستخبارات الروسية وكان فظاً غليظ القلب! دمر الشيشان المسلمة على رؤوس أهلها وحرمها وداغستان من الاستقلال! وأميركا تريد لإسرائيل أن تفرح بتدمير سورية كما فرحت بتدمير العراق وهذا يزيدها اطمئناناً وقوة.
أما اليمن فكان سعيداً في الماضي البعيد، وأما مصر وليبيا وتونس وباكستان والصومال والجزائر والسودان، فلعل الله يخرج هذه الدول من محنها ويهيئ لها من أمرها رشداً، ومثل ذلك أفغانستان التي تقتل فيها طالبان ـ وهي منظمة إجرامية شقيقة للقاعدة ـ طالبات المدارس والنساء والأطفال الذين يحملون الأمل في مستقبل مشرق يزيل الظلمات في بلد متخلف يقوم اقتصاده على زراعة المخدرات.