تحاصرنا الأخبار السياسية في كل مكان، في نشرات الأخبار، وفي الصفحات الأولى للصحف، وفي الإذاعات وحتى في المجالس، فهكذا كتب علينا أو كتب لنا منذ المهد إلى اللحد، غارقون في لج من الأخبار الخاصة بفلسطين وأفغانستان والبوسنة والهرسك والشيشان والصومال والعراق واليمن وتونس ومصر وليبيا وسورية، وعند نهاية الأسبوع نذهب إلى صلاة الجمعة لعلنا نسمع شيئا يخفّف علينا ضغوطات الأسبوع المزحوم بمشاهدة التعيسة والمزعجة، لكننا نتسمر من جديد أمام نفس المشهد التلفزيوني والإذاعي والصحفي، فعدد ليس بقليل من خطباء الجمعة مشغولون بعرض ملخص لما يدور في الساحة السياسية الإقليمية والعالمية، مع تحليلات سطحية وعبارات مملة ومكرورة، ومن ثم بث الكراهية ضد الغير والتحريض على الشر وبث الروح الانهزامية، فضلا عن قيامهم بتصنيف المجتمع إلى علمانيين وملتزمين ومنافقين وقائمة تتجاوز العشرين فرقة ومذهبا وطائفة، بينما هؤلاء المصلون هم بحاجة لمن يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر أكثر من حاجتهم لمعرفة ما إذا كان ما يدور في البلد الفلاني وراءه مؤامرة أم لا؟ وهم بحاجة لمعرفة الصحيح من العبادات بعيدا عن البدع والخرافات أكثر من حاجتهم لمعرفة ما يزيد من كراهيتهم لبعضهم البعض في وطنهم الواحد عبر تصنيفات ذلك الإمام.
ففي نفس المجتمع الذي يعيش به خطيب الجمعة تنتشر الكثير من الأمراض والآفات من الكذب والغش والسرقات وتجاوز حدود الله، فضلا عن ممارسات خاطئة حتى في عمود الدين الصلاة ولكن الإمام لا يلقي لها بالاً ولا يلتفت لها ولا ينبه إليها ولا يحذّر منها، لأنه مشغول بما يحدث خارج الحدود وكأنه متحدث باسم وزارة الخارجية أو مندوب في الأمم المتحدة.
في ظني أن الناس بحاجة لما يرقّق من قلوبها ويزيد من إيمانها ويقربها إلى ربها ويفتح أمامها أبواب الجنان، كما أن الناس بحاجة لما يحفزهم إلى العمل والإنتاج، وما يدفع بهم وبمجتمعهم للصفوف الأمامية بين هذا العالم الذي نشتمه ونسخر منه ليل نهار ونزعم أنه يخطّط لمحاربة ديننا وعقيدتنا بينما لم نحرك ساكنا من أجل مضاهاته أو اللحاق به فكريا وعلميا ومعرفيا.
كم هي القنوات والآليات التي يمكن لنا من خلالها تغيير واقعنا نحو الأفضل لنتجاوز مرحلة الشكوى الدائمة وإلقاء التهم على الغير وتحميله كل مشاكل تخلفنا وتراجعنا إلى مرحلة الإنتاج والقفز إلى الأمام، لكن أي من تلك القنوات لم يطرحها خطيب الجمعة ولم يتناولها قط في تحليلاته، فهو يعيد علينا ما هو معروف، ليزيدنا هماً وغماً.
قبل أيام حذّرت وزارة الشؤون الإسلامية خطباء الجمعة من الخوض في المسائل السياسية والمذهبية إضافة إلى التعرض للأشخاص أو الدول والمؤسسات تصريحا أو تلميحا، وطالبتهم بأن تقتصر خطبة الجمعة على مفهوم الوعظ والإرشاد.
وأنا أقول إن هذا لا يكفي فهناك من الخطباء من لا يعترفون بمثل هذه التوجيهات، إذ لديهم فقه خاص بهم، فقه يوّلد الفتنة والضغينة والكراهية بين أفراد المجتمع الواحد، والصحيح عدم تمكين هؤلاء من صعود المنبر مطلقا.