أدى التطبيق العملي للقرار الملكي رقم (أ/121) والمتضمن رفع رواتب المعلمين والمعلمات السعوديين في المدارس الأهلية، إلى تباين ردود الأفعال من كافة فئات المجتمع تجاه تطبيق هذا القرار على أرض الواقع.

فمن ناحية المعلمين والمعلمات، اشتكى البعض من تأخر بعض المدارس في تنفيذ القرار، والمماطلة في إدخال بياناتها لدى صندوق تنمية الموارد البشرية، والبعض الآخر اشتكى من تحايل بعض المدارس على الاتفاقية الشاملة بين الصندوق والمدارس الأهلية، من خلال الفصل التعسفي أو عدم إعطاء الإجازة المستحقة، أو من خلال الضغط على المعلم والمعلمة لترك المدرسة بأي وسيلة كانت.

ويرى البعض من المواطنين والمواطنات أن أصحاب المدارس الأهلية قاموا برفع أسعار الرسوم الدراسية بشكل مبالغ فيه بحجة زيادة الرواتب بالرغم من وجود الدعم المالي والمادي لهذه المدارس وتضخم أرباحها، بعكس المدارس في الدول الأخرى، والتي لا تحظى بأي دعم بل وتدفع الضرائب.

وأما من ناحية ملاك المدارس الأهلية، فقد توجهت اللجنة الوطنية للتعليم الأهلي في مجلس الغرف السعودية إلى القضاء لطلب النظر في تعميم وزارة التربية والتعليم، والذي يحدد العقوبات التي ستتعرض لها المدارس التي لم تسجل معلميها ومعلماتها في صندوق الموارد البشرية، وتتدرج هذه العقوبات من الإنذار الكتابي إلى تجميد النشاط وإغلاق المدرسة ومنعها من ممارسة نشاطها. وقد صرّح رئيس لجنة التعليم الأهلي في غرفة الرياض بالقول: "إن تدخل الدولة في الرواتب، وتدخل الوزارة في الرسوم يعد شيئاً سلبياً جداً، إذ إنه لم يحدث في أي قطاع ويتنافى مع نظام السوق المفتوح"، وأضاف: "إن التعليم الأهلي ليس فيه احتكار مثل النقل الجماعي أو غيره، بل هو سوق مفتوح، كما أنه ليس مدعوماً مثل الكهرباء، وليس لديه حقوق خاصة كشركات الأسمنت".

في الحقيقة لا أحد يستطيع إثبات أو نفي الاحتكار في التعليم الأهلي وذلك لعدة أسباب، من أهمها عدم وجود جهة مختصة بالرقابة على المنافسة بين المدارس الأهلية، وذلك لأسباب تنظيمية.

ففي حين يعد مجلس حماية المنافسة المسؤول الأول عن تطبيق الأنظمة والقوانين الخاصة بالمنافسة، إلا أن التعليم الأهلي ليس خاضعاً لتلك القوانين، وذلك وفقاً للائحة تنظيم المدارس الأهلية والتي تنص على: "تحدد المدرسة التكاليف الدراسية قبل بدء العام الدراسي، بما لا يقل عن ثلاثة أشهر، ولا تجوز زيادتها أثناء العام"، وعلى ضوء هذا النص فإنه يحق لوزارة التربية والتعليم التدخل ضمناً في مراقبة الأسعار.

وعلى هذا الأساس، لا يمكن معرفة ما إذا كان هناك، على سبيل المثال، وجود اتفاقيات بين ملاّك المدارس الأهلية لتحديد الرسوم أم لا؟ ناهيك عن ضعف مشاركة التعليم الأهلي بشكل عام في العملية التعليمية، حيث تشير بعض الإحصاءات إلى أن نسبة الطلبة فيها تشكل (10%) من إجمالي طلبة التعليم العام، وهذا بدوره يؤدي إلى زيادة مخاطر الاحتكار في هذا المجال.

إن المشكلة الحقيقية للمدارس الأهلية ومشكلة المعلمين والمعلمات في رأيي تتعلق بالمقام الأول بضعف البيئة الاستثمارية للتعليم الأهلي، وضعف التنافس بينها، الأمر الذي يؤدي إلى وجود مخاطر الاحتكار وتدني مستوى الجودة التعليمية. وأحد الأسباب الرئيسية في ضعف الاستثمار في هذا المجال يتمثل في خضوع التعليم الأهلي لأنظمة وزارة التربية والتعليم، وعدم خضوعه لأنظمة وزارة التجارة والصناعة!

والسؤال المطروح هنا: لماذا لا تطبق الأنظمة والقوانين التجارية على مؤسسات التعليم الأهلي، وتعطى الحرية الكاملة في تقديم منتجاتها وخدماتها التعليمية؟

يبدو أن السبب يتمثل في الرؤية السائدة لدى البعض، والتي ترى أن "التعليم موضوع أهم من أن يترك للأمور التجارية ومنافسة السوق، فالهدف الرئيسي من إنشاء المدارس هو نشر التعليم وليس لجني الأرباح، ورسالة التعليم رسالة عظيمة يجب ألا تخضع لمسألة الربح والخسارة، وإلا فسد التعليم"!

والرؤية السابقة في الحقيقة خاطئة، ولا تخدم المصلحة التعليمية، لذا نجد أن التعليم الأهلي يخضع بالكامل لأنظمة وزارة التربية والتعليم، ولا يسمح للمدارس الأهلية بتبني أو ابتكار مناهج تربوية تخالف مناهج الوزارة، وما ينطبق على المدارس الحكومية ينطبق بالكامل على المدارس الأهلية، وعليه نرى وجود نمطية ثابتة في منهجية التعليم لا تسمح بالتنافس بين جميع المدارس، لانعدام الخيارات أمام الآباء والأمهات في تعليم أبنائهم وبناتهم.

بالإضافة إلى ما سبق، فمن المعلوم أن من سمات الموظف الحكومي مقاومة التغيير، وبالتالي فإن بعض موظفي وزارة التربية والتعليم قد يقاومون أية تغيير في المدارس الأهلية بحجة الإشراف على الأداء التربوي والتعليمي، وفي الحقيقة هم يشرفون على مطابقة أنظمة الوزارة والتوجهات الشخصية للموظف وليس على أساس المعايير المهنية للتعليم.

والعوامل السابقة في رأيي أدت إلى وجود عوائق استثمارية في مجال التعليم الأهلي سواء فيما يتعلق باستخراج التصاريح أو مشاكل التمويل ونظرة المجتمع إلى رجال الأعمال، الأمر الذي بدوره أدى إلى التحايل في توظيف السعوديين أو غير السعوديين وعدم الاهتمام بجودة التعليم بشكل عام.

تشير إحدى الدراسات الأميركية حول التعليم إلى أن جودة الخدمة التعليمية تتعلق بـ: "حرية الأهالي في الاختيار، وأيضاً حرية المدارس بخلق نوعية المدرسة التي يسعون إليها.. فكلما ازداد التمركز والتشدد بالزي الموحد.. وسيطرة نظام الولاية، انخفضت نوعية التعليم".

فلماذا لا يخضع التعليم الأهلي في المملكة لأنظمة وقوانين القطاع التجاري، والاستفادة من المزايا الاستثمارية لهذا القطاع، والاستفادة أيضاً من مزايا التنافس في تقديم خدمات تعليمية ذات نوعية وجودة عالية؟ وذلك تحقيقاً لأهداف خطة التنمية التاسعة التي تتمثل في تشجيع القطاع الخاص على زيادة مشاركته بالتوسع في فتح المدارس لاستيعاب طلبة التعليم العام، بحيث تصل هذه المشاركة إلى ما نسبته (15%) بنهاية الخطة.