من المعروف أن التخطيط السليم المسبق يضمن قدرا كبيرا من النجاح، ويحول دون الوقوع في العشوائية، والتخبط، والأسئلة التالية يتم تداولها بين الحين والآخر حول مفهوم التخطيط، وكيفية التعامل معه عندنا، وعند الغرب، وتشمل ما يلي: أين نحن من التخطيط؟ هل ندرك أهمية التخطيط على المستوى الشخصي؟ وهل نخطط بشكل سليم لجميع أنشطتنا؟ وغير ذلك من الأسئلة المتعلقة بهذا المجال، ونجد أن هناك صعوبة عند محاولة الإجابة عن هذه الأسئلة لدى كثير من أفراد المجتمعات العربية، وذلك لأن التخطيط ليس من مفردات القاموس اليومي لكثير من فعالياتنا، وأنشطتنا، بل قد ينظر بعض أفراد المجتمع إلى من يقوم بالتخطيط المسبق لتحركاته، أو لنشاطاته بأنه متأثر بالغرب، أو مقلد له، وإذا كان هذا التأثر الإيجابي فهو مرغوب، وإذا كان تقليد له فوائد فهو مطلوب، ومن الأولى الأخذ به، ومن المناسب أن نستفيد من خبرات الآخرين، وبما لا يتعارض مع ثوابتنا، وعاداتنا وتقاليدنا.
ومن اللافت للنظر أن الغرب يسير وفق جدول وتخطيط مسبق في جميع ما يقوم به من أنشطة سواء على المدى القريب، أو البعيد، ولذلك في كثير من الأوقات لا يوجد لديهم أي تأخير في التنفيذ لأي نشاط، أو فعالية، أو إنجاز ما هو مخطط له، وما يتم فعلا عبارة عن تحديد للهدف، أو الأهداف المراد الوصول إليها مسبقا، وبشكل واضح ومحدد، ولتكن هذه الأهداف في مستوى عال، أو رفيع، وقد تكون غايات، أو مقاصد، وتكون المسافة بين الشخص وتحقيق الأهداف عبارة عن خطة محكمة - في أغلب الأوقات - ومكونة من عدة مراحل متدرجة، ولذلك تسير الأمور وفق الجدول الزمني المحدد لها، ويتم تحقيق الأهداف مرحليا بهدف الوصول إلى الهدف النهائي، فنجد أن هناك خططا طويلة للمستقبل، ففي البداية يحدد الفرد طموحاته، وماذا يريد أن يكون في المستقبل؟ وكيف الوصول إلى ذلك؟ فإذا كان يريد أن يواصل تعليمه ويحصل على درجة علمية يبدأ التخطيط للالتحاق بالمؤسسة التعليمية التي يرغب الدراسة بها، وتحقق طموحاته، ورغباته، وتكون مناسبة لظروفه الأخرى، وبذلك يأخذ جميع الاحتياطات لما سيقوم به في المستقبل، ويتوقع بعض الصعوبات، والمعوقات التي قد تواجهه في أثناء تنفيذه لخططه المرحلية، ويكون لديه خطط بديلة في حالة ظهور أي عائق يحول دون تحقيقه لهذه الدرجة العلمية التي هي هدفه الأساس في هذه المرحلة، وهذا مجرد مثال على التخطيط الذي يحقق الأهداف على مدى زمني محدد مسبقا.
كما قد يشمل التخطيط جميع الأنشطة الحياتية للفرد في المجتمعات الغربية، فنجد أن هناك تخطيطا مسبقا لقضاء أوقات الفراغ والإجازات، وكيفية الاستفادة منها بأكبر قدر ممكن، وبأقل تكلفة، فعند الحديث عن كيفية قضاء الإجازة عند الغرب يكون هناك تخطيط قبل موعدها بوقت طويل، ويتم تحديد نوعها من حيث الوقت إجازة طويلة أم قصيرة، داخلية، أو خارجية، وسيلة السفر بالطائرة، أم بالسيارة، والمبلغ المخصص للصرف منه في هذه الإجازة، وكل هذه التفاصيل يتم التخطيط لها قبل التمتع بالإجازة، وقد يكون كل يوم من أيام الإجازة له تخطيط خاص به، ولذلك نجد من يقوم بهذا النوع من التخطيط يستمتع بإجازته بشكل حقيقي، وتسير أموره كما خطط لها، ولا يكون لديه أي نوع من التوتر، أما من لا يدرك أهمية التخطيط في مثل هذه الجوانب فنجد أن إجازاته تسير بالصدفة سواء في التوقيت، أو التنقل، أو الصرف، ويصادف من لا يخطط العديد من العقبات، والصعوبات في أثناء الإجازة، ولا يكون هناك تمتع حقيقي بالإجازة، بل تمر والشخص يركض لإنجاز متطلباتها، ولذلك لا يحس بالإجازة، ويكون وقت الإجازة مليئا بالتوتر، ولعل الفرق بين من يخطط لإجازاته، وبين من يترك أموره تسير "بالبركة" واضح، ومن هنا تأتي أهمية التخطيط في جميع النواحي الحياتية.
فالتخطيط لا يقتصر على قضاء أوقات الإجازة عند الغربيين، بل نجد كل الجوانب الحياتية لها خطط محددة يتم الالتزام بها، والسير وفقها في أغلب الأوقات، فعندما يذهب للتسوق تكون لديه خطة محددة لما يريد أن يشتريه، والمبلغ الذي سيصرفه، والزمن الذي يقضيه في التسوق، ولديه خطط مسبقة قبل التقاعد، وبعد التقاعد، وحتى بعد الوفاة هناك خطط حيث يتم التخطيط لمكان الدفن، وما يتطلبه من إجراءات، والتخطيط في العالم العربي إذا كان موجود فهو على استحياء، أو قصير المدى فقط؛ فأين نحن من التخطيط؟ لماذا نترك أمورنا تسير بدونه؟ وإلى متى سيستمر عليها حالنا بدون تخطيط؟