في الآونة الأخيرة أصبح السيد حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني يفتعل المناسبات للخروج على اللبنانيين مهدداً ومنذراً الشعب اللبناني بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا لم يقف بمؤسساته الدستورية ومؤسسات المجتمع المدني إلى جانبه لرفض العدالة المتمثلة في المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الزعيم اللبناني رفيق الحريري.
لقد هدد حسن نصر الله بتفجير الوضع اللبناني.. هذا التفجير الذي يقود حزب الله لفرض سيطرته العسكرية على لبنان.
بصورة أخرى يكتشف المراقب لتصريحاته عبر خطبه التي أصبحت شبه أسبوعية أن الرجل يساوم الشعب اللبناني والدول العربية والأجنبية بين خيارين لا ثالث لهما. إما إلغاء المحكمة الدولية أو احتلاله للبنان. في خضم هذه التطورات جاءت زيارة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس السوري الدكتور بشار الأسد للبنان لتحديد سقف لحزب الله، وهو قل في السياسة ما تشاء أما العبث بالشعب اللبناني وأمنه واستقراره فهذا خط أحمر ينبغي عدم الاقتراب منه.
فإذا ما ركب حسن نصر الله وحزبه رؤوسهم لحماية المتهمين من حزبه بعد صدور الاتهام الظني للمحكمة الدولية ووجه لهم الاتهام فإن هذا عمل خطير لن يجد حزب الله مظلة عربية أو دولية لحمايته مما قد تقترف يداه من دماء اللبنانيين ولن تنفعه صواريخه التي كدسها في جنوب لبنان باسم مقاومة إسرائيل.
لقد انكشف المستور وفضح حسن نصر الله نفسه بنفسه، فبدلاً من محاربة إسرائيل وهو لا يرغب في ذلك إنما يكدسها للانقضاض بها على الشعب اللبناني وبالدرجة الأولى على المناوئين لهيمنته على لبنان.
إن حزب الله يتخوف من صدور قرار ظني من المحكمة مدعوم بمعلومات وأدلة وقرائن ووثائق واضحة وصلبة يتم على أساسها اتهام عناصر من حزبه.
السيد حسن نصر الله يحاول إقناع اللبنانيين بأن المحكمة الدولية تجلب الدمار للبنان. بينما إفلات القتلة من العدالة الشرعية الدولية هو تكريس لدمار لبنان. ولا أعتقد، بل أجزم أن مسعى حزب الله لهدم المحكمة مسعى خائب.
إن محاولة إلغاء المحكمة هي إلغاء للشرعية الدولية ولمجلس الأمن وشرعية وجوده.
إن إقدام حزب الله على قلب الطاولة في وجه الشعب اللبناني والإقليمي والدولي هو بمثابة جريمة حرب يعاقب عليها القانون الدولي ويتطلب إنشاء محكمة دولية أخرى إضافة إلى الأولى تحاكم كل من كان معه في عملية الانقلاب على الدولة اللبنانية.
هذا الرجل يطلب من أبناء رفيق الحريري وأبناء الشهداء الآخرين الذين طالتهم يد الغدر والعدوان رفض العدالة الشرعية الدولية إذا ما أرادوا أن يبقوا طلقاء أحرارا. إنه يهددهم بين القتل أو السجن أو إصدار براءة لحزب الله الذي يداه ملطختان بدماء اللبنانيين في 7 آيار عندما غزا حزبه بيروت بمليشياته العسكرية وقطاع الطرق من حلفائه الذين عرفوا عبر تاريخ لبنان الحديث بتجار الحروب وبيع لبنان لمن يدفع.
الذي لم يدركه حسن نصر الله أن ما كان متروكاً من قتل لزعماء لبنان وقادة فكره قبل 30 سنة لم يعد في مقدور أحد أن يسمح به، فعليه قراءة الخارطة السياسية الإقليمية والدولية جيداً.
فليفعل حزب الله ما يشاء وليقلب الطاولة في وجه الشعب اللبناني وفي وجه العدالة الدولية والدول الإقليمية والدولية ليرى ما سيحدث له عربياً ودولياً، فمن بعد اليوم لا أعتقد أن السيد حسن نصر الله سيهنأ بساعة واحدة من النوم الهادئ إلا إذا ألهمه الله الحكمة، خاصة إذا أصدرت المحكمة الدولية قرارها الظني باتهام عناصر من حزب الله وأعلن أنه وحزبه بريئان منهم ولا يحظون بتغطيته السياسية والأمنية في مواجهة العدالة الدولية. أما إذا أصر على رفض المحكمة وقراراتها وعبث بأمن لبنان فإن ذلك لن يسقط المحكمة وإنما يسقطه وحزبه في محاكم أخرى وسينتقلون من مأزق إلى مأزق أكثر خطورة ولن يؤدي ذلك بأي حال لإفلات المتورطين في جريمة اغتيال الحريري ومن دعمهم من الملاحقة الدولية.
بل إن السيد حسن نصر الله إذا سعى إلى تفجير الوضع في لبنان وعبث بأمنه واستقراره فأعتقد أن مجلس الأمن والمجتمع الدولي سوف ينشئون محكمة جديدة لمحاكمة حسن نصر الله شخصياً لكونه هو من اتخذ قرار الانقلاب على الشرعية اللبنانية وضرب أمن اللبنانيين في الصميم، فبدلاً من أن يحاكم عناصر من حزب الله إذا ثبت اتهامهم بجريمة اغتيال رفيق الحريري سوف يحاكم حسن نصر الله ومن سانده من أعوانه وحلفائه على جريمته غزوة بيروت 7 آيار وجريمته التي ينوي تنفيذها عندما تصدر المحكمة الدولية قرارها الظني باتهام عناصر من حزبه.
ألا يأخذ السيد حسن نصر الله الحكمة من الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد عندما قال إذا ثبت اتهام عناصر من سوريا فسنحاكمهم بجريمة الخيانة العظمى؟ ولكن هناك فرقا بين زعيم دولة يستشعر المسؤولية، خاصة إن سوريا تعاونت مع المحكمة الدولية الخاصة بالتحقيق باغتيال رفيق الحريري وكان تعاونها مع متطلبات المحكمة لم يحده حدود، ولكن السيد حسن نصر الله تعامل مع المحكمة كزعيم طائفي يعمل على بسط هيمنته على شركائه في الوطن، والدليل على ذلك في آخر خطاب للسيد حسن نصر الله أعلن أنه يملك قرائن ووثائق بأن إسرائيل هي التي اغتالت رفيق الحريري. والسؤال: لماذا صمت عن ذلك كل هذه السنوات؟ وفي هذه الحالة هناك تفسير واحد، وهو عندما كانت سوريا متهمة (سكت) على أمل أن (تشتعل) حرباً شعواء بين سوريا وقيادتها والسنة في لبنان وفي الدول العربية الأخرى.
بصورة واضحة كان حسن نصر الله يستثمر الخلاف الذي كان موجوداً بين الطائفة السنية في لبنان وأشقائهم في سوريا قيادة وشعباً، وكذلك كان يستثمر الخلاف السعودي السوري حول القضايا اللبنانية بهدف إيجاد مظلة سياسية وأمنية وإعلامية له للقفز على السلطة في لبنان.
أما عما لديه من قرائن ودلائل وبراهين عن اتهامه لإسرائيل بأنها خلف اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري فإن عليه عرض هذه القرائن والدلائل والبراهين على المحكمة الدولية، فهي الجهة المختصة بالتحقيق بهذا الجانب قانونياً للوصول إلى الحقيقة. أما الاكتفاء بعرض ما لديه على الشعب اللبناني فهذا لن يقدم ولن يؤخر في مسار المحكمة الدولية، لأن السيد حسن نصر الله لا يمثل المحكمة التي تفصل في قضايا جنائية كبرى فهو طرف سياسي لا يمثل العدالة الدولية.
كما أن توجيهه الاتهام لإسرائيل في قضية اغتيال الحريري، الهدف منه كما أعتقد هو حشر اللبنانيين في زاوية حادة، وهي أن من يقف مع المحكمة الدولية وشرعة الأمم المتحدة هو بالضرورة يقف مع إسرائيل. ويعمل على تبرئتها، وهذا لا يعني بالمطلق أنني أبرئ الكيان الإسرائيلي من جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه الشهداء، فإسرائيل نشأت على الجريمة والمكان الطبيعي لكل ما لدى (نصر الله) من معطيات حيال إسرائيل هو تسليم كل ما لديه للجهة المختصة وهي المحكمة الدولية المتعلقة باغتيال الحريري وسائر من تبعوه اغتيالاً.