يتفاءل المواطنون بوجود هيئة الاتصالات كي تدافع عن حقوقهم وترعى مصالحهم مع شركات الاتصالات التي تأكل الأخضر واليابس، لم يكن يدور في خلدهم أن هذه الهيئة أصبحت هي الخصم والحكم؛ ففي الوقت الذي يأمل منها الموطنون خيرا إذا هي تقف ضد مصالحهم، ولعل أكبر دليل على ذلك هو ما اتخذته الهيئة مؤخراً من إيقاف مجانية التجوال الدولي ضاربة عرض الحائط بتوصية مجلس الشورى! وبمصالح آلاف المواطنين السعوديين، الذين يقيمون في الخارج أو يجوبون أصقاع الدنيا سواء في أعمال أو دراسة أوسياحة أو علاج، وقد ظهر معالي رئيس الهيئة في تصريحات صحفية ليؤكد ألا عودة عن القرار، وأن مثل هذه الخدمة لا توجد في أية دولة بالعالم، وأشار إلى هروب مئات الآلاف من شرائح مجانية التجوال الدولي إلى خارج البلاد بحيث أصبح الأجنبي هو المستفيد منها أكثر من المواطن السعودي حسب معاليه! لكن معالي المحافظ يستدرك بقوله: إن على شركات الاتصالات أن تخفض قيمة المكالمات الداخلية في اعتراف منه بارتفاع تكلفتها، وأنها فعلاً من أعلى التعريفات في العالم! لكني أسأل أليس أمر وقرار تخفيض المكالمات الداخلية من صلاحيات الهيئة التي تستطيع إلزام شركات الاتصالات به؟ تلك الشركات التي تضخمت أرباحها من جيوب المواطنين ذوي الدخول المحدودة!
وأعود للتجوال الدولي المجاني، الذي أطاحت به الهيئة وحرمت الأسر السعودية من التواصل فيما بينها لكن رحمهم الله بالتقنية ووسائلها، التي أوجدت لهم بعض البدائل مثل الواتس أب "WhatsApp" أو سكايب "Skype"، وأرجو ألا تتدخل الهيئة وتلغيها مثل ما ألغت برنامج فايبر "Viper"، فأقول عن إلغاء المجانية ألم يكن بإمكان الهيئة تعميد شركات الاتصالات بإيجاد الحلول المناسبة، التي تحد من هروب آلاف الشرائح إلى الخارج وفي نفس الوقت لا تحرم المواطن السعودي، الذي يئن من أسعار المكالمات الداخلية لتضيف عليه وزر وعبء تكلفة من يتصل به إذا كان في الخارج؟! فعلى سبيل المثال - وهي أدرى في ذلك - ألم يكن في الإمكان قصر مجانية التجوال على حاملي الشرائح السعوديين؟ أو أن يكون هناك فصل بين الشرائح المفوترة والمسبقة الدفع؟ وتلك أمور فنية بحتة أهل الاختصاص أدرى بها، لكن ثمة تساؤل آخر ما دام ألاّ رجعة عن القرار: لماذا لم تتدخل الهيئة وتطلب من الشركات أن تكون رسوم استقبال المكالمات في الخارج رمزية بدلا من تركها للشركات وعروضها؟ وبذلك تكون الهيئة قد قدمت خدمة للمواطن في الخارج، وخففت جزءاً من الأعباء المالية التي يتحملها، ولعل من المدهش في الموضوع أن شركات الاتصالات وهي ذات الشأن لم تطلب إلغاء مجانية التجوال الدولي فهل الهيئة أحرص على الشركات من نفسها؟ بل إن إحدى الشركات - كما قرأنا - رفعت قضية ضد الهيئة وكسبتها في ديوان المظالم، وقد يكون الحكم نهائياً لصالحها، وعندئذ ما الذي تستطيع الهيئة فعله؟ إني أتساءل مرة أخرى ما الذي فعلته الهيئة - مع التقدير لجهودها - للحد من جشع شركات الاتصالات؟ لأن المواطن يتطلع إلى الهيئة باعتبارها المدافع الأول عن حقوقه، وبمناسبة الحديث عن التجوال الدولي فإن لي بعض الملاحظات، منها تفاوت أسعار التجوال الدولي سواء أسعار المكالمات أو الرسائل النصية إلى المملكة أو الإنترنت، إذ لاحظت أن إحدى الشركات تضع مبلغ 10 ريالات للدقيقة عند الاتصال بالمملكة بينما أخرى بنصف هذه القيمة، كما أن العروض تتفاوت من شركة إلى أخرى ولقائل من يقول إن ذلك تنافس! وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا تتنافس الشركات في تخفيض المكالمات الداخلية؟ أم أن ذلك يخضع لمعايير الهيئة؟ ولماذا لا تكون هناك معايير وضوابط للتجوال الدولي حتى لو كان ذلك مرتبطا بالشركات المشغلة خارجياً؟ لأن في ذلك مصلحة للمواطن قبل أن يكون مصلحة للشركات الحريصة على مصالحها، والدليل أنها توقف هاتفك المحمول لو تأخرت عن السداد حتى لو كنت مسافراً! وتقول إن ذلك من حقها ولكن أين محاسبتها عندما يتضرر المواطن؟
وبهذه المناسبة وكشاهد على أن مصلحة الشركات مقدمة على مصلحة المواطن وكنموذج لتعاملها، أذكر أن إحدى أكبر شركات الاتصالات سبق وأن تخلصت بطريقة تعسفية وغير مباشرة من أعداد كبيرة من الشباب الموظفين لديها عن طريق إحالتهم إلى شركة أجنبية تم التعاقد معها! وعندما رفض بعضهم الانصياع للقرار تم تهديدهم وإنذارهم بالفصل حتى اضطر بعضهم للاستقالة! ومنهم شباب مؤهلون، فأين كانت الهيئة من ذلك التعامل من شركات سعودية ذات رأس مال سعودي وتتعامل مع موظفيها بهكذا تعامل؟ فما بالك بالمتعاملين مع خدماتها من المواطنين.. وأخيرا لديّ سؤال عريض: ماذا قدمت هذه الشركات أصلاً من خدمة للوطن والمواطن؟ سؤال أترك إجابته لمن يعنيهم الأمر.