يبدو أن الأوضاع في مصر استدرجت كل شرائح الشعب لتدلي بدلوها في تحليل الواقع السياسي عقب ثورة الـ25 من يناير.

الفن -وتحديداً في مصر- له انعكاساته الواضحة في الدور الثقافي الذي يؤديه في المنطقة، فشهرة مصر الفنية تسبق شهرتها في السياسة أو أي مجال آخر. عُرفت مصر ابتداء عن طريق نجومها وأعمالهم في الدراما والكوميديا والغناء والمسرح، وهو ما أسهم لاحقاً في انتشار اللهجة المصرية في كافة الأقطار العربية، وأدى إلى تقارب كبير بين الشعب المصري وأقرانه من العرب.

خفت الوهج الفني في مصر منذ سنوات، حتى قبل الثورة، ولكنه بعدها لا يكاد يضيء. الأوضاع السياسية والاقتصادية ازدادت سوءاً، لتؤثر على المشهد الثقافي والفني في عاصمة الفن الشرقي. بدأ الإسلام الأصولي يهاجم الفن وأهله، رُفعت القضايا ضد عادل إمام لانتقاده بعض الجماعات الأصولية.. وتعرضت إلهام شاهين وغيرها من الفنانات للقذف والتجريح.. وأوقفت بعض الأعمال الدرامية التي تنتقد جماعة الإخوان المسلمين.. وتعرضت الأوبرا المصرية إلى التهديد بوقف نشاطاتها وعُزلت مديرتها من العمل.. خرجت الفتاوى كالسيل بتحريم الكثير من الأعمال الفنية والمسرحية.. وأين؟ في مصر!

من هنا كان لزاماً على كل كوادر الفن ترك الاستديوهات وشركات الإنتاج، لمراجعة وتحديد مواقفهم مما يحدث، فالفن في مصر شأنه شأن السياحة وكافة القطاعات؛ على وشك الانهيار. خرج نجوم الفن المصري هائجين مائجين، هذه المرة بدون "كلاكيتيات" وبدون سيناريو مسبق، ليعلنوا رفضهم لهذا الانتحار الحضاري، ولما يتعرضون له من قذف وتدخل وتوجيه ورفض لأعمالهم من قبل بعض التيارات الرجعية الطارئة على مصر. كان أحمد بدير آخرهم، وكان لقاؤه في "المحور" وهو يصرخ فيهم واضحاً، فالأمر يستدعي الوضوح والمكاشفة، وها هم فنانو مصر يشاركون الجماهير في التظاهرات الأخيرة يوم أمس، لكي يعود الفن المصري كما كان، بعيدا عن الأسلمة، وبعيدا عن الفتاوى والقذف، والتوجيه.