في الوقت الذي دعا فيه القس الأميركي تيري جونز بكل ما أوتي من تطرف وتشدد وتعصب وجنون إلى جعل الحادي عشر من سبتمبر (ذكرى انهيار برجي التجارة العالميين في نيويورك) يوماً عالمياً لإحراق المصاحف، توفر كنيسة مدينة جالاراتي في ميلانو بإيطاليا مكاناً في فضائها لكي يقيم فيه المسلمون صلاة التراويح!

نموذجان متناقضان؛ الأول يضرب المثل في أقصى درجات التطرف والكراهية، والثاني يضرب المثل في أقصى درجات الحكمة والتسامح والرقي الفكري، وكلاهما ينتمي إلى الدين المسيحي، تماماً مثلما ينتمي المعتدون على البرجين في الحادي عشر من سبتمبر للإسلام، في الوقت الذي ينتمي فيه أيضاً الذين أناروا عصور أوروبا المظلمة إلى الإسلام!

الإرهاب – إذن – لا دين له، والتطرف لا شريعة سوية تحكمه، والتعصب لا ينم إلاّ عن جاهلية مقيتة وجهل مقيم في النفوس والعقول والقلوب.

أمثال هذا القس الأميركي هم الذين – بحقدهم وجهلهم وتعصبهم الأعمى – يشعلون نيران العداوة بين الشعوب والثقافات والحضارات، ومثلهم مثل الذين يعتدون على أهل الكتاب وغيرهم المستأمنين في بلادنا الإسلامية، وكلا الفريقين لا يستحق أقل من البتر وتخليص المجتمعات الإنسانية من هوسهم وجنونهم. لا يمكن أن نقف لنرى الشعلة بيد طفل ثم نلومه فيما بعد على اندلاع الحريق!.

الولايات المتحدة الأمريكية مطالبة بالقبض على هذا القس وأمثاله وإلقائه في غياهب السجون اتقاء لشره، تماماً مثلما تفعل الدول الإسلامية في المتطرفين الإسلاميين الذين يسيئون للإسلام ولبلادهم.

ولا ينبغي هنا أن تتبجح الدول التي تحمي مثل هؤلاء المتطرفين بـ"الديمقراطية"، و"حقوق الإنسان"، و"حرية التعبير"، وكل هذه المصطلحات الرنانة التي تثبت الأيام أنها لا تستخدم إلاّ لتزيين الباطل.

الفتنة الكبرى التي يمكن أن تحدثها دعوة هذا القس أكبر من أن نقف حيالها موقف المتفرج، وكلنا نذكر الفتنة الكبرى التي أحدثتها الكاريكاتيرات البذيئة لرسام هولندي معتوه كاد أن يتسبب في كوارث تصل إلى حد الحرب العالمية، حينما تجرأ على النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، فما بالنا لو تم الاعتداء على كتاب الله في يوم (عالمي!!) لإحراقه!.

الفتنة التي يدبر لها هذا القس أشد وأعتى، ولا أظن أن بيان الأزهر الذي استنكرها أول من أمس كاف لإخمادها، فالحكومات الإسلامية، والمنظمات الأهلية، والشعوب، لها دور لا بد من القيام به لإجبار الولايات المتحدة على النظر لهذا القس نظرة أخرى، نظرة تحفظ قوانينها ونظرياتها حول احترام الآخر وعدم ازدراء الأديان، أو على الأقل، وبلغة المصالح – التي تفهمها جيداً - تحفظ علاقاتها مع الدول الإسلامية. والآن لا أظن أن هناك إجابة أوقع من دعوة هذا القس على تساؤل بوش الشهير: "لماذا يكرهنا المسلمون؟!"، ولكن أخشى ما أخشاه أن يكون السؤال ذاته في قلب أوباما، أو يكون الشعب الأميركي لم يعرف الإجابة بعد!.