رفعت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (نزاهة) رسميا للملك -حفظه الله -، مطلع هذا الشهر بكل ما يتعلق ببلاغات الفساد التي تلقتها ضد الوزارات والقطاعات الحكومية. ذكر حينها نائب رئيس نزاهة لقطاع الفساد بأن الوقت يعد مبكرا لإيصال حجم البلاغات إلى وسائل الإعلام لعدم جاهزية نظام نزاهة الآلي المهم لإنتاج أرقام دقيقة عن هذه البلاغات.

من الممكن التنبؤ بحجم البلاغات من دون انتظار بيان نزاهة ويكفي أن نقوم بمسح أخبار نزاهة منذ إنشائها لنحصل على صورة مقاربة للأرقام الحقيقية. قامت نزاهة بنشر أكثر من 140 خبرا خاصا بالفساد على موقعها الإلكتروني، وتنوع محتواها ما بين ملاحظات على الوزارات والقطاعات الحكومية أو مطالبتها بالتحقيق، ومن ثم إفادة نزاهة أو إعلان بالرفع لهيئة التحقيق والادعاء العام.

كانت المرتبة الأولى لوزارة الصحة التي تعيش عصرها الذهبي، ومن ثم تلتها وزارة التربية والتعليم التي تبقت لها عشر سنوات لتصل بالمملكة لمصاف الدولة المتقدمة تعليميا في عام 1444.

كانت أخبار الوزارة طيفا متعدد الوزارات، وجاء بعد المتميزتين السابقتين مرورا بالنقل والمياه والكهرباء والشؤون البلدية والقروية والشؤون الاجتماعية وصولاً للرئاسة العامة لرعاية الشباب والرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة.

العامل المشترك في فساد هذه الوزارات والقطاعات كان واضحا وجليا وهو فساد البنى التحتية، فأغلب مشاريعها متعثرة وغير المتعثر منها سيء الخدمات، ولعل نزاهة شخصت العلة بتقديمها عينات من نسيج جسد هذا النوع من الفساد ولم يتبق سوى البدء بعلاجه، فإحالة هذه العينات النسيجية للتحقيق والادعاء العام هي كإحالة مريض بالسرطان لمعالج شعبي مع أن ما يحتاجه فعلا هو استشاري أورام.

يعتقد البعض أن البنية التحتية هي كل ما يتعلق بالطرق والمطارات والقطارات والصرف الصحي والمياه ووسائل الاتصالات، وهي صحيحة من ناحية تقنية ولكن التعريف الوظيفي المبسط للبنية التحتية، هو كل ما يحتاجه الشخص بشكل يومي أو شبه يومي. التعريف الوظيفي للبنية التحتية العامة أوسع ويشمل إضافة لما سبق ذكره المدارس والجامعات والمستشفيات والمراكز الصحية والمراكز الاجتماعية والتكنولوجيا الرقمية وتسمى هذه البنى التحتية باللينة مقارنة بالبنى التحتية الصلبة كالطرق وغيرها.

ولذلك فإن عددا من الدول تملك وزارة للبنى التحتية بمفمهومها الوظيفي الشامل تعنى بإدارة البنى التحتية وتحديد الأولويات الوطنية. وزارة البنى التحتية في تلك الدول، وكندا مثالا، تملك مفهوما أكثر فاعلية لإصلاح البنى التحتية وتقويتها لأنها تعي أن هذه البنى هي مجموعة من العناصر الهيكيلية المترابطة، التي لا بد أن تتمركز حول احتياج المواطنين عوضا عن تقسيم المواطن على القطاعات المختلفة، كأن يجد مدرسة جيدة لأطفاله بينما أقرب عيادة له تقع في الجهة المقابلة من مدينته أو قريته. تهدف هذه الوزارة لتحسين مستوى معيشة المواطنين عن طريق توفير البنية التحتية الفاعلة، ولذلك فخطتها غالبا ما تحتوي على النقاط الأساسية التالية: الصحة والتعليم والنقل والمياه والكهرباء والبنية الاجتماعية كمراكز الإيواء والتأهيل والحضانة وبنى المناطق الطرفية. تعمل وزارة البنى التحتية بمنهج إرساء المشاريع ومتابعة المنفذين وأخيرا الالتزام بصيانة منشآت البنية التحتية والمحافظة عليها وكل ذلك يقوده احتياج المواطن، والأولويات الوطنية ويحكمه أداء الوزارات والقطاعات التي ستقوم بتشغيلها، فهي بالتأكيد لن تقوم بإنشاء وتسليم مستشفى لوزارة الصحة على سبيل المثال لتترك إدارته للجن كحال بعض مستشفياتها ومراكزها المهجورة، فوزارة البنى التحتية لن تتكفل بصيانة ما لا تستطيع وزارة الصحة تشغيله. يبدو أن الوقت قد حان لاستئصال ورم فساد البنى التحتية من كافة الوزارات والقطاعات الحكومية بسحب كافة مشاريع البنى التحتية المتعثرة والمستقبلية وتسليمها لوزارة بنى تحتية تكون هي المسؤول الأول والأخير عن تصحيح مسار التعثر التنموي الذي رصدته نزاهة. حينها تستطيع الوزارات والقطاعات الحكومية التفرغ لواجبها الأول، وهو تحسين مستوى خدماتها للمواطن عوضا عن الانشغال بعقود وبترسية مشاريع نادراً ما ترى النور مكتملة.