التزود بالعلوم والمعارف الديني فيها والدنيوي هو سر تقدم الأمم وتطورها وبناء مستقبلها، والانفتاح على العالم المتقدم علميا وعالميا - مع الحفاظ على القيم والمبادئ - أمر مطلوب ومرغوب، وبرنامج خادم الحرمين الشريفين الذي تبناه - حفظه الله - قبل عدة سنوات خطوة متقدمة للحاق بركب التطور العلمي والتقني، ومع الإيمان التام بتطور جامعاتنا ومواكبتها للجامعات العالمية إلا أن نهل العلم من منبعه في التخصصات التي يحتاجها الوطن طباًّ وهندسة واقتصادا وتقنية وغيرها بلغات عالمية حية هو المواكب للتقدم العلمي والتكنولوجي والتقني، وقد حقق البرنامج حتى الآن نجاحا كبيرا بعد تعديل وتدقيق في أهدافه على ضوء التجربة خلال السنوات التي مرت على تطبيقه، وتجاوز بعض الملاحظات وصولاً إلى الأفضل والأمثل في تحقيق أهداف الابتعاث، وقد سعدت خلال وجودي هذا الشهر في أميركا أن التقيت عدداً من أبنائنا الطلاب الذين يدرسون في بعض الجامعات الأميركية، وسرني ما رأيته منهم من حرص على أن يكونوا خير سفراء لوطنهم، وينكبوا على تحصيلهم العلمي، وهنا لا بد لي من الإشارة إلى أهمية قيام وسائل الإعلام في المملكة بإبراز جوانب التفوق العلمي لأبنائنا وتشجيعهم بدلاً من تناول بعض السلبيات التي هي نادرة الحدوث وإن حدثت مع هذا العدد الكبير جداً للطلبة المبتعثين فأمر طبيعي وعادي، كما سرني تعاونهم ولقاءاتهم الأسبوعية خاصة يوم الجمعة يتبادلون الأحاديث، وينسقون لبعض نشاطاتهم وبرامجهم وقد حضرت واحداً من تلك اللقاءات، ولقد لاحظت ارتياح المتزوجين منهم للقرار الأخير برفع مكافآت مرافقيهم بما يساعدهم على تحمل أعباء الحياة وغلاء المعيشة في أميركا خاصة بعض ولاياتها، لكن الطلبة غير المتزوجين يأملون النظر في رفع مكافآتهم أيضا لأن الجزء الأكبر منها يذهب للسكن المرتفع الأجر في أميركا، كما لمست ارتياح الطلبة أيضا وامتنانهم من تجاوب الملحقية الثقافية السعودية معهم ومتابعة شؤونهم سواء من الملحق الثقافي الدكتور محمد العيسى، ومساعديه أو المديرين الإقليميين أو المشرفين، وهو الأمر الذي ينعكس إيجابيا على تحصيلهم العلمي - وإن كانت هناك ملاحظات على موضوع المشرفين سأتحدث عنها في ثنايا المقال - وعلمت من الطلبة كذلك أن الصلاحيات التي منحتها الوزارة - باهتمام معالي الوزير- للملحقية لإنجاز شؤون الطلبة قد كان لها أكبر الأثر في مرونة التعامل وسرعة الإنجاز، خاصة وأن أعداد الطلبة المبتعثين إلى أميركا كبيرة جداً مما يتطلب سرعة البت في أمورهم، ومن الإيجابيات أيضا التأمين الطبي الشامل للطلبة، كما أن البوابة الإلكترونية قد أراحت الطلبة كثيراً وهي خدمة تقنية ممتازة تختصر الكثير من الوقت والجهد.. ومن الأمور الطيبة التي رأى فيها الطلبة نظرة مهمة من الملحقية لمستقبلهم دعوة القطاع الخاص لحضور حفلات التخرج التي تقيمها الملحقية كل عام وحضور بعض الشركات مثل أرامكو وسابك، التي تسعى لاستقطاب المبرزين منهم والمتفوقين في عدد من التخصصات وهذه الخطوة تحسب للوزارة والملحقية؛ فالانفتاح على القطاع الخاص أمر مهم في هذه المرحلة من البناء التنموي في المملكة، لكن قال لي أحد أولياء الأمور ممن حضر تخرج أبنائه: إنه على الرغم من ذلك فإن القطاع الخاص لم يتفاعل كما يجب ويعني بذلك الشركات الكبرى وبعض البنوك... ومع كل هذه الإيجابيات المهمة والتي تهيئ لأبنائنا الطلبة الأجواء الدراسية المناسبة والمريحة، فإن هناك بعض الملاحظات أو الرغبات التي أنقلها لمقام الوزارة والملحقية وأنا متأكد أنها لم تغب عن بالهما بل هي محل اهتمامهما منها ما أشرت إليه آنفاً من رجاء الطلبة رفع مكافآتهم، التي يقولون: إنه لم يطرأ عليها أي تغيير منذ خمس سنوات في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة ومتطلبات الحياة خاصة السكن وشراء الكتب والمستلزمات الجامعية، أما من لديه مركبته الخاصة فأعانه الله على ارتفاع سعر البنزين الذي يقتطع جزءا كبيرا من المكافأة شهريا، ومن الملاحظات أن أندية الطلبة السعوديين في بعض الولايات والتي تعطي صورة مشرفة عن الوطن وأبنائه وتجمع الطلبة دائما على المحبة والخير والإلفة، تحتاج دعماً إضافياً لأن ما يقدم لها - كما فهمت من بعض الطلبة - لا يفي بكل متطلبات ومسؤوليات تلك الأندية التي تنظم لقاءات في المناسبات والأعياد ولديها التزامات كثيرة؛ لذلك آمل أن يزيد دعمها فهي واجهة مهمة لبلادنا وتأمين ما تحتاجه لتأدية رسالتها، كما أن من المهم تزويدها بترجمات القرآن الكريم والمطبوعات الإعلامية عن المملكة وتطورها والتعريف بتاريخها وحضارتها حتى يطلع عليها الزوار الأجانب خلال زياراتهم لهذه الأندية، ومن الملاحظات أن عدد المشرفين لا يكفي لتغطية متطلبات آلاف الطلبة، فالمشرف الواحد كما قيل لي مسؤول عن 200 إلى 300 طالب، وهذا عدد كبير لا يتيح المجال له لسرعة أداء عمله والإجابة على استفسارات الطلبة ومتابعتهم، ومن أهم الملاحظات التي أرى أن لها الأولوية هي تكثيف التوعية للطلبة قبل ذهابهم للخارج، خاصة الصغار منهم الذين يأتون من حملة الثانوية العامة فهؤلاء هم الذين يحتاجون أكثر من غيرهم للاهتمام والعناية؛ وفي هذا الصدد قرأت تحقيقاً مهماً قبل فترة في صحيفة المدينة عن الجهل بالقوانين والأنظمة، وأن هناك مبتعثين يدفعون ثمن الجهل بالقانون - كما يقول التحقيق - وأن عدداً غير قليل منهم يواجهون في الخارج إشكالية نقص الوعي القانوني وهو ما يتطلب - كما جاء في التحقيق - توفير آليات جديدة متطورة لتثقيفهم بالأنظمة واللوائح القانونية الخاصة ببلدان الدراسة سواء من كان منهم في برنامج خادم الحرمين الشريفين، أو الدارسين على حسابهم الخاص، وأشار بعض المبتعثين إلى أن ضعف الثقافة القانونية أحياناً يكون سبباً لتجاوز الأنظمة في تلك البلدان خاصة في السنة الأولى للابتعاث، واستطلع التحقيق رأي عدد من الطلاب المبتعثين في أيرلندا وأميركا، ورأى أولئك أن من الأهمية تكثيف ما تقوم به الوزارة والملحقية والسفارات السعودية من توعية وتوجيه، والالتقاء بأصحاب التجارب، وتزويد المبتعثين بالكتيبات والمطبوعات التي تسهم في تبصيرهم بالأنظمة، كما رأى بعضهم أهمية إيجاد مواقع متخصصة في التوجيه والإرشاد في بلدان الابتعاث..

وأختم مقالي بملاحظة تم حلها جزئياً، وهي إلغاء احتكار الخطوط السعودية لسفر الطلبة من أميركا إلى المملكة، وهذه خطوة مهمة إذ لا يمكن للخطوط السعودية تأمين حجوزات آلاف الطلبة العائدين في إجازاتهم للوطن وخلال شهر واحد، لكن بقيت إشكالية وهي أن الضغط الكبير على الحجوزات والتي أوكل أمرها شركة سفر وسياحة واحدة جعلها تتأخر في إنجاز حجوزات الطلبة الذين يرغبون في السفر، وهنا أتساءل لماذا لم تكثف هذه الشركة من موظفيها في فترة الذروة؟ بل إن بعض الطلبة يقترح صرف قيمة التذكرة السنوية - إن كان النظام المالي يسمح بذلك - وهم يتولون حجوزاتهم بأنفسهم، وفق الله طلابنا وأعادهم مؤهلين إلى وطنهم ليسهموا في بنائه وتنميته.