بعيدا عن قضية "الملائكية" التي صورتها كتب التاريخ في أذهاننا عن رموز التاريخ الإسلامي والعربي منذ مرحلة النقل الشفهي عبر الشعر، وإلى وقتنا الحاضر. يمكن القول إن الاحتفاء الدرامي بأشخاص وأحداث وضعت بصمتها في تاريخ الأمة، وتوظيف أحدث التقنيات الفنية في الأعمال التي تتناولها، أمر جيد في مواجهة طغيان ثقافة "السوبر مان" الغربي على شاشتنا العربية.

ومع أن هذه الأعمال التاريخية أعمال موسمية لا نشاهدها في الغالب إلا في شهر رمضان المبارك، وهي تتزاحم في أذهاننا مع ضحك "دحيم" و"محيميد" و "مفرح" علينا، إلا أنها غالبا ما تتطرق لشخصيات قرأنا تاريخها منذ مراحل التعليم الأولى، على طريقة الكتاتيب: متى ولد الصحابي الجليل؟ وما أهم أعماله؟.

وبهذه الطريقة " الكتاتيبية " تبلدت الأحاسيس وتعطل التفكير في الهدف الحقيقي من دراسة هذه الشخصيات، ولذلك عندما تتحول إلى عمل درامي تصرف عليه الملايين، ينشغل الجميع بتقنيات الإخراج والإبهار السينمائي، دون مناقشة المسار الدرامي للعمل، لأنه تحصيل حاصل في الأذهان، فالكل يعرف أن العمل سينطلق من بدايته إلى نهايته في تكريس الصورة الملائكية ذاتها التي كرستها كتب التاريخ، دون الإشارة لأي جانب ضعف بشري، قد يمر به أي بشر غير معصوم من الخطأ.

ولذلك تمر دروس تاريخية وإنسانية مهمة، مثل فضيلة احترام الاختلاف والتنوع، التي تميز بها التاريخ الإسلامي والبشري بشكل عام مرور الكرام، مع أنه كان يمكن الاستفادة منها في تغيير ولو بعض من واقعنا الذي يضج بالصراعات والتطرف ونفي الآخر.

وهنا لا يمكن إنكار أهمية تذكير الأجيال الجديدة بتضحيات وعظم الكثير ممن صنعوا تاريخنا الذي ما زلنا نعيش على ذكرياته دون الاستفادة الواقعية منه. لكنني أعتقد أن الخطوة الأهم هي أن تنتج نسخ مترجمة من هذه الأعمال إلى لغات أخرى كالإنجليزية والفرنسية والروسية، وأن تسوق بشكل حديث في شبكات تلفزيونية عالمية، حتى وإن اضطررنا في بداية الأمر إلى دفع أموال مقابل ذلك، لكي نبدأ خطوة تأخرت كثيرا. فمتى يشاهد الأمريكي والأوروبي والياباني والروسي أعمالنا الدرامية بلغته كما أنتجت وعرضت لدينا، مثلما نشاهد أعمالهم التي لا يجرؤ الرقيب العربي على حذف الكثير من مشاهدها الخادشة للحياء.

حقيقة أتمنى أن تستغل القنوات العربية ذات العلاقة الجيدة مع نظيراتها في أمريكا والغرب مثل MBC، هذه العلاقة في تسويق أعمال مثل مسلسل "القعقاع" الذي يعرض حاليا، لكي يتم عرضه مدبلجا في تلك القنوات، على الأقل من مبدأ "المصالح المشتركة". فإلى متى والعلاقة باتجاه واحد، أخذ بلا حساب دون عطاء؟.