الزواج يمثل قمة النسيج الاجتماعي، فهو يجسد قيماً معرفية وسلوكاً إنسانياً، بغية تلبية الحاجات البشرية وتسخيرها لمنفعته الحياتية المعاشة، ومرتسمات مستقبله، إنه الحافظة والتكوين الغريزي والعفوي، والمعمار المنسرب في عمق التاريخ ونواميس الحياة، ولذا تلتمع في الذهن صور شكّلت عادات وتقاليد الشعوب البدائية والمتحضرة، في كيفية التعبير عن مكنون هذه العادات ومنظومة العلائق والمواريث والخبرات المتجذرة في المخزون الشعبي لتلك الشعوب. والدارس للذاكرة الجمعية يلمس ذلك التشابه والنمطية في تقاليد الزواج في بلادنا في العصر الحديث، استجابة للواقع الراهن، بينما يلمس الباحث الفروق في فعاليات التعبير، وتباين المضمون والمنتوج الاجتماعي في الزمن الراحل والماضي البعيد، فهناك قواعد ضابطة لعادات وتقاليد الزواج عند بعض الشعوب وما فيها من عجائب وغرائب، وبين ما نمارسه من مفاهيم وقيم وسلوك وشعائر وطقوس. لعل أولئك الضجرين والمتذمرين من بعض عاداتنا وموروثنا في الزواج يعرفون بشاعة تلك الطبائع عند الآخرين، وقسوة تلك المشاهد مثلما تفعله قبيلة "تودا" جنوب الهند، حيث تقوم العروس بالزحف على يديها وركبتيها حتى تصل إلى العريس، ولا ينتهي هذا الزحف إلا عندما يبارك العريس عروسه بأن يضع قدمه على رأسها. أو كما يحدث في جزيرة "جاوه" الغربية، حيث يقدّم كل زوجين 25 ذنب فأر، لاستصدار رخصة الزواج، فالحاكم فرض هذه الرسوم للقضاء على الفئران التي أصبحت خطراً يهدد محصول الأرز.

أما مدينة "بوندا" الهندية فتختبر العروس عريسها بوضعه في امتحان صعب حين تصحبه إلى الغابة وتشعل النار وتكوي ظهره العاري، فإذا تأوه أو تألم من الكي ترفضه ولا تقبله عريساً لها.

وفي أندونيسيا لا تطأ قدما العروس الأرض يوم زفافها، خاصة عندما تنتقل من بيت أهلها إلى بيت زوجها، لذا يُجبر والدها على حملها من بيته إلى بيت عريسها على كتفيه، مهما طال الطريق. وفي الصين يطلب الحاكم من الزوج أن يحضر كيلوغرامين من الذباب، محافظة على سلامة البيئة، فيقوم الأهل بجمع الذباب من أماكن النفايات، أو يلصق الزوج الحلوى على جذوع الأشجار ليتصيد الذباب. وفي الصومال يقوم الزوج بضرب عروسه ضرباً مبرحاً أمام الحضور، ومن ضمنهم أهل العروس، كي تعترف العروس برجولة زوجها.

وفي أميركا الجنوبية لا تقوم نساء الهنود الحمر عند الولادة بالنوم في الفراش مدة النفاس، ولكن يرقد زوجها بدلاً منها، والقصد من ذلك خديعة الأرواح الشريرة كي لا تصيب الزوجة بسوء، وهذا الذي يتمناه بعض أو كل الرجال من "ربعنا".