تتجه بوصلة أهالي المناطق الشمالية في أواخر فصل الشتاء للبر حيث يعدون "المكشات" ملح الشتاء لا يعطلهم عنه البرد ولا المسافات البعيدة وتجذبهم له الأمطار والغيوم وخضرة الأرض، وتتنوع أهواء أهالي الشمال بين ما يسمونه "الجلد" وهي مناطق الحجر والجبال وبين "النفود" في صحاري الرمال بينما تجمعهم لذة "المكشات".
سحر المخيمات
تتحول عدد من المناطق البرية بمدن الشمال السعودية لمدن موقتة يسكنها المخيمات التي تتجاور لكثرتها حيث تعد المخيمات سحر الشتاء لدى أهالي هذه المناطق، ومنذ أن تبدأ الأجواء أن تميل للبرودة يخرج الأهالي بحثا عن موقع لوضع مخيماتهم فيه حتى نهاية الشتاء، ويقومون بزيارته أشبه بشكل يومي وقضاء مسائهم فيه، يمارسون الحياة التي يحبونها فيعدون الشاي والقهوة على نار الحطب ويطهون وجبة العشاء، وتتنوع المخيمات ويتنافس فيها الأهالي من عدد الخيام ونوعيتها ومنهم من يمتلك غرفا متحركة ودورات مياه ويحركون وايتات الماء معهم، يقول نواف القبيسي أحد أبناء الجوف الذي وضع مخيمه منذ 3 أشهر أن للمخيمات لذة بالشتاء لا يشبهها شيء يكسر متعتها شدة البرد بالجوف، وأشار إلى أنه وأقاربه وأصدقاءه يخرجون بشكل يومي للمخيم الذي يبعد عن المدينة حوالي 50 كيلو مترا ويقضون سهرتهم فيه ويعدون وجبة العشاء ثم يعودون للاستعداد لأعمالهم باليوم الثاني، فالمار على طريق الجوف عرعر سيجد يمينه ويساره عشرات المخيمات التي وضعت لها لافتات خاصة كتب عليها "مخيم الـ...".
العشب والخضرة
الأعشاب البرية والمسطحات الخضراء تعمل كالمغناطيس بالشتاء في جذبها للأهالي فتجد الأماكن التي اكتست بالخضرة يزورها يوميا مئات المواطنين لا يمنعهم منتصف الأسبوع ولا أوله ولا ينتظرون آخره فمنذ أن تنتهي أعمالهم يتحركون لها، ويقطعون مسافات بعيدة للوصول لها والجلوس بين الخضرة، خاصة في هذه الأيام التي يتمتع نهارها بالدفء، وعدد من النباتات البرية يحرص الأهالي على التقاطها وتناولها منها "الجهق والحميض والربحلة والبساس"، يقول محمد الضويحي إن الشاي وسط الخضرة له طعم مختلف والجلسة لها نكهتها الشمالية الخاصة التي تدعوك لزيارة هذه الأماكن وأصطحاب عائلتك لها.
شعيب الأقرع
شعيب الأقرع المنطقة التي تجمع أهالي الجوف والحدود الشمالية حيث تنتصف المنطقتين فهي تبعد 60 كيلو مترا عن عرعر و7 كيلو مترات عن سكاكا، وتعتبر المكان الأكثر جذبا لهذا العام وهي منطقة محمية من وزارة الزراعة مما ساعد على احتفاظها بالبذور، ونمت فيها الأعشاب بشكل كبير وجذبت الأهالي حيث يتاح لهم الدخول على الأقدام دون سياراتهم ويمنع الماشية من الدخول لها، وهذه الأسباب جعلتها متنفس الشتاء الأول للمنطقتين حيث يرتادها بشكل يومي مئات المواطنين يقضون نهارهم بداخلها، يقول كبار السن بالجوف إن الأمطار التي سقطت على المنطقة هذا العام وبمواقيت الوسم كانت كفيلة أن تحول الأرض لبساط أخضر وتتمتع بربيع مختلف ولكن غياب البذور الذي أعدمته كثرة الماشية بالبر منع ذلك والمناطق المحمية شاهد على ذلك حيث نما بها بشكل كبير العشب وتحولت لبساط أخضر جذب الأهالي للنزهة البرية.
الخزامى والبابونج
تتنوع أهواء أهالي الشمال بين الجلد والنفود وتجتمع في "المكشات" فمنهم من يهوى الخروج للبحث عن "الفياض الخضراء" وهي أماكن تجمع المياه التي تتحول لبساط أخضر، ومنهم من يبحث عن الخزامى التي تنبت في الرمال "النفود"، وبالرغم من بعد المسافة للأولى يقطع الكثير من الشباب ما يفوق 100 كيلو متر للوصول لمنطقة القرية بحثا عن الفياض الخضراء التي تشتهر بها هذه المنطقة بشكل كبير وغالبا ما تكون الرحلات لها في نهاية الأسبوع حيث يضطر المتنزهون للنوم هناك لبعد المسافة وعدم استطاعتهم العودة باليوم نفسه، وتشتهر المنطقة بعشبة البابونج والتي يقضون وقتهم وسطها ويحتسون مشروبها الجميل، فيما يفضل آخرون الخروج للنفود والتمتع بالخزامى ومناظر الإبل التي تستهوي قلوبهم وشرب حليبها والمسافة بالثانية تقل عن الأولى لذا تكون الرحلات على مدار الأسبوع.
التواصل الاجتماعي
تلعب مواقع التواصل الاجتماعي بين تويتر والفيس بوك والكيك والواتس آب دور كبير في تحديد وجهات "المكشات" لدى الأهالي حث يتبادل المتنزهين مواقع الفياض والعشب والسيول ويضعون صورها، فيما يتجه الكثير منهم للسؤال عنها عبر هذه المواقع عن أماكن المكشات المميزة للتوجه لها، وقد تم تخصيص أعداد كبيرة من الهاشتاقات للربيع والخضرة والفقع وأماكن تجمع المياه، ويلاحظ أن صفحات صور الربيع والأمطار تحظى بآلالف الزيارات خلال أيام معدودة.
الطهو الرجالي
تتميز هذه الرحلات بتخصص الرجال بالطهو وإعداد وجبات الطعام وتكشف عن مهاراتهم في الطهو خاصة في "الكبسة" حيث تتنوع أشكال الطهو والإعداد، منها المندي والذي يجهزون حفرا وبراميل خاصة لذلك، ومنها المضغوط بقدر الكاتم، ومنها ما يطبخ في قدر فخار، كما يعدون الإيدامات المختلفة بطرق متعددة منها ما هو بالقدر الكاتم ومنها بالقصدير ومنها بالعلب، وتشاركها أنواع السلطات والشطات، يقول أسد الرويشد إنه يهوى الطبخ كثيرا بالبر ويساعده كونه معلما بمنطقة القصيم التي تحوي عشرات المحلات للمكشات والبر ويجد أنواعا مختلفة من القدور والأواني للطبخ وقدر المدني والشوايات التي يصحبها معه للشمال ويطهو بها في البر.