دبّج ذوو الأقلام من المحللين والمؤرخين وكتاب الرأي، مقالات وأبحاثا تترصد أسباب ثورة 25 يناير، وزاد عليهم المتحدثون بعلم أو بدونه، حتى تداخلت الأمور، ورُبط الحدث بنظائره التي لم تكن سوى دليلٍ يشير إلى فتيلٍ جاهزٍ للاشتعال في أي لحظة.
كلّ هذه الأقلام، لن تكون مفيدة بالنسبة إلى الباحثين عن المعرفة المجردة، وإن أفادت الباحثين المتعمقين، ولذا بدأ الشغوفون بالمعرفة في البحث عن مصادر جديدة، يعرفون بها كيف تدرجت الأحداث، حتى آلت إلى مآلها في 25 يناير، دون أن يتعبوا أذهانهم بالغوص في النظريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تأخذ القارئ "العادي" بعيدا عن مراده.
ومن الأعمال التلفزيونية التي أرخت ثورة 25 يناير تأريخاً قريب المأخذ، وعميق الرؤية في آن، فيلم "اسمي ميدان التحرير"، الذي أنتجته قناة النيل الفضائية.
الفيلم يربط الحدث بتاريخ مصر الحديث والمعاصر، ويبرر عدم وجود أمثاله في عهدين سابقين، ثم يسرد أسباب الثورة سرداً يتكئ على لغةٍ فارهة، تخاتلها المجازات أحيانا، وتدعمها الحقائق والأرقام أحيانا أخرى، وكل ذلك مدعوم بصورٍ حية ممّا كان في عهدي "ناصر" و"السادات"، وما كان في بدايات عهد مبارك، حتى التعديل الدستوري عام 2005، ثم التقاطعات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية التي أدت إلى الثورة في صورتها الكاملة.
"اسمي ميدان التحرير"، يبدأ بأم كلثوم وهي تصدح: "وقف الخلق ينظرون جميعا..."، وينتهي بعبدالحليم حافظ وهو يشدو: "يا حلم.. يا حلم يابو الليل..." ليكون وجبة خفيفة في مادتها الأصلية، ودسمة بما تفتح الأذهان عليه من تأملات ومقارنات واستنتاجات، ليصير في مجمله كتيبا مصوّراً يلخص تاريخ مصر الحديث، ويختصر وقت من يريد أن يعرف ليعرف، وتلك مزية الأعمال التلفزيونية التي تتوجه إلى جمهور عريض تتباين درجات وعيه.
باختصار؛ "اسمي ميدان التحرير"، يغني عن مكتبة.