يفترض أن يتم تشغيل نظام ساهر في المنطقة الغربية، (مكة المكرمة والمدينة المنورة وجدة) هذه الأيام إن لم يكن قد سبق وبدأ العمل به قبل نشر المقال. وفي هذا النظام تُوظف كاميرات التصوير المثبتة على الطرقات والمتحركة في سيارات، لضبط المخالفين لأنظمة المرور وتقييد المخالفات بحقهم، وإرسال بيانات المخالفة إلى الحاسوب المركزي لتدوينها وإشعار المخالف على هاتفه النقال بضرورة سدادها.

ما يحزنك في هذا هو أن ترى ما وصل إليه حالنا حتى أصبحنا بحاجة إلى وضع آلات التصوير لمراقبة سلوكيات السائق على الطريق وضبط تقيده بأنظمة المرور، ثم إصدار المخالفات لمن يتجاوز الأنظمة ويكسر القانون... والسائق ليس إلا أنا وأنت! وخلف مقود السيارة تعكس ممارساتنا صورة واضحة لأزمة سلوكية يعاني منها المجتمع.

وقد تشعر بالخوف من القلق الذي سيضيفه ساهر إلى ما يعانيه السائق على الطريق. لا أحد أبدا يحس بالراحة وهو يعلم أن هناك من يراقبه، حتى لو كانت كاميرات للتصوير، وحتى لو كانت المبررات مشروعة، والحاجة تقتضي وملحة لحماية الأرواح من عبث العابثين.

وعلى الجانب الآخر، فإدارة المرور غير ملومة على توظيف نظام، قد يعتبره البعض اقترابا من حرم الخصوصيات، فأعداد الحوادث وإحصائيات الموتى والمصابين مؤشر واضح، ودليل لا يتطلب المراجعة. نحن من أعلى الدول في نسبة الحوادث إلى مجموع السكان، ومن أعلاها في نسبة الوفيات بسبب الحوادث. كم من عائلة لقت حتفها على يد شاب متهور أو شيخ مستهتر. أطفال في سن الزهور خلفوا لأهلهم الحرقة والحزن، أو صاروا بفقد عائلهم إلى اليتم. كم من مصاب كتب عليه الصبر على إصابته أو التعايش مع إعاقته الدائمة مدى الحياة، كل ذلك نتيجة للتهور والاستهتار بأنظمة المرور.

"ساهر"، في نظر الكثيرين، نظام مطلوب يفرضه الواقع، وإن لم نكن نحبه. مثله في ذلك كالعلاج يتجرعه المريض راضيا، ويشعر في نفس الوقت بمرارته. كما أن ساهر نظام لا يكفي وحده لعلاج أزمة السلوك التي نعاني منها على الطريق، ولن يفي بالغرض ويحقق الأهداف ما لم تكامله برامج أخرى بأهميته أو أكثر. أولها الاعتماد على وعي السائق واحترامه، كسلوك، لأنظمة المرور. وليس القصد في أن نلقنه أنظمة المرور ونختبر قدرته على الحفظ، كما نفعل لاجتياز اختبار القيادة وتحصيل الرخصة. نحن نأمل في أن تكون آداب القيادة الآمنة جزءا من ثقافتنا، ولا نتلبس بها خوفا من الرقيب. وهذا لا يتأتى بـ "ساهر" وحده.

إذن وإن اتفقنا أو اختلفنا بأن ساهر ضرورة لمن لا تنفع معه ولا تكفيه الإشارة، فلابد من العمل على تنمية الوعي وترسيخ المفاهيم التي تؤكد على أن القيادة الآمنة ضرورة اجتماعية وظاهرة حضارية. تحقيق ذلك أمر شاق ويتطلب سنين طويلة، أدرى بها علماء النفس والاجتماع، المطالبون اليوم بدراسة الوضع من هذه الزاوية ووضع الحلول العملية لأزماتنا الاجتماعية، حتى نستغني أن تسهر على مراقبتنا آلة. ونأمل حينئذ أن يتم تفكيكها والتخلص منها، إذ لن تكون هناك حاجة بعد ذلك إليها.

كما أن هناك أمورا ربما كان من الأولى أن تسبق تفعيل النظام وأخرى تتزامن معه وبعده، لضمان استمراريته وبقاء فاعليته. فشوارعنا أولا، متهالكة وتحتاج إلى صيانة شاملة تغني السائق عن مراقبة الحفر والمطبات وتتيح له الانصراف إلى مراقبة أنظمة السير وحركة المركبات الأخرى والمشاة. وهي كذلك بحاجة إلى التخطيط السليم، برسم الخطوط البيضاء والصفراء والمتقطعة والمتصلة، ووضع العلامات على الأرض بأشكالها وألوانها المقننة لوظيفتها، كتحديد المسارات وتقنين الانعطافات، ولتحسين حركة السير. والطرقات في حاجة كذلك إلى إشارات إرشادية وتحذيرية واضحة وكافية وبالمواصفات المعتمدة.

هل سبق أن وجدت نفسك معاكسا لاتجاه السير، في شوارع تعارف الناس في الحي على السير فيها باتجاه واحد، ولا توجد إشارات تنبه الغريب، أو أنك تجدها بعد فوات الأوان؟ ولوحات السرعة لا تكفي بأعدادها ومواقعها الحالية، فلابد من معرفة السرعة المحددة قبل الالتزام بها.

ومن الضروري تعريف الناس بهذه المتغيرات على الطريق ومعانيها وأهدافها، حتى لا يفاجئ "ساهر" الناس. ربما كان أجدى لو تمت تجربة النظام لمدة أسبوع في بداية الأمر. خلال هذه الفترة التجريبية يعمل النظام بكامل إمكاناته، ويرصد المخالفين ويصدر المخالفات، ولكن في هذا الأسبوع تكون الأهداف للتنبيه، ولتوعية السائق بأخطائه التي تعود الوقوع فيها، وكذلك لتعريفه بالقيمة الحقيقية والعبء المادي لمخالفاته. بهذا نكون قد جربنا فاعلية النظام ودقته، ونقيناه من شوائبه، وتركنا فرصة للجاهل أن يتعلم، وللمتهور والمستهتر أن يراجع نفسه بعد أن يقدر ما سيكلفه تهوره أو استهتاره، ولن يكون لأحد بعد ذلك من عذر.

أخيرا، بقيت هناك أمور لا نعرف عنها، وأسئلة لم نجد لها جوابا، فعلى من تقع مخالفات السيارات المستأجرة، ومن يتحمل مخالفات السائق الأجير، خاصة إذا بلغت الآلاف، ولم يكن في وسعه تسديدها ... هل يتحمل عبء أخطائه الكفيل؟ وهل ستتعطل كل معاملاته وتعاملاته الرسمية بسبب مخالفات اقترفها غيره؟ إنها أزمة سلوك وينبغي معالجتها بهذه الرؤية.