دائما كانوا يوصوننا ونحن صغار بألا نلعب مع من يكبرنا سنا، لكي لا نصاب بأي أذى نتيجة خشونة لعب أحدهم أو تنمر أحدهم، في وقت كان الآخرون ينصحوننا بأن نخالط الآباء والإخوة الكبار لنتعلم منهم أصول (المرجلة والعلوم الغانمة).
بين الحالتين المتناقضتين، تربت أجيال عديدة تداخلت عليهم أسس التربية بالتوجيه بالتأهيل، فالكبير ليس دائما مرحبا به، والصغير ليس دائما مقدرا ومحترما باعتباره فردا لديه عقل يستطيع أن يقدر ويقرر الصواب ويخرج بنفسه من أي مأزق يجد نفسه قد وقع فيه.
في ظل ذلك، تبقى مشكلة التنمر بين الأطفال والمراهقين من أكبر التحديات التي يعيشها الطلاب في المدارس والأولاد في الأحياء، فقد بينت الدراسات المتعددة أن التعرض للتنمر في سنوات الطفولة لديه من القدرة على التأثير السلبي على النفسية البشرية، بحيث يمكنه أن يقرر مستقبل ذلك الإنسان ويحدد شخصيته وتوجهاته الفكرية والأخلاقية.
في أميركا اللاتينية تشير الدراسات إلى أن 7 من كل 10 تلاميذ تطالهم مشكلة التنمر، وذلك نتيجة مشاكل في أساسها تعد اجتماعية تنعكس على الأفراد وأبنائهم، فالتفاوت الشديد في الطبقات الاجتماعية يعد سببا رئيسا، فضلا عن التهميش الذي يطال بعض الفئات مثل المعاقين والسكان الأصليين وأطفال المناطق الفقيرة.
في ألمانيا ـ وهي الدولة الصناعية المتقدمة ـ كشفت دراسة أجريت عام 2011 أن ظاهرة التنمر تحدث في سن أصغر، خاصة في المدارس الابتدائية، وأنه تم تصنيف ما يقارب 10% من الأطفال على أنهم متنمرون و17% كضحايا له، و17% على أنهم متنمرون وضحايا في نفس الوقت.
أما في السعودية، فقد كشفت دراسة أجرتها مؤخرا الدكتورة نورة القحطاني حول التنمر في المدارس المتوسطة في مدينة الرياض عن أن أسباب الظاهرة تتمثل في أسلوب التربية الخاطئ للأبناء، إضافة إلى غياب التوجيهات السلوكية الواضحة من الوالدين، وعدم الإحساس بالأمان والاستقرار العاطفي في الأسرة والنزاع المستمر بين الوالدين.
إن كانت المشكلة تتطلب مجهودا اجتماعيا لحلها، فعلى الأقل نحاول حلها مرحليا، فتقسيم المرحلة المدرسية الابتدائية ـ في تقديري ـ لمرحلتين منفصلتين يعد حلا ضروريا وممكنا، فيبتعد الطفل ابن السادسة عن المراهق ابن الثانية عشرة، وبالتالي ينعدم الاحتكاك ويختفي التنمر، وليحاسب ولي الأمر حسابا عسيرا في حال استمر ابنه في إيذاء الغير، فهو متسبب رئيس، كما تشير الدراسات وتثبته التجارب، وعليه أن يتحمل مسؤوليته في تربية أبنائه تربية صالحة.