انتهى مهرجان الانتخابات الرئاسية في إيران، وأعلن عن فوز حسن روحاني بموقع الرئاسة. وقد جرت هذه الانتخابات في ظل تنافس بين الإصلاحيين والمحافظين. وخلافا للدورة الانتخابية السابقة، التف الإصلاحيون حول فرد من خارج دائرتهم، بسبب نبرته التصالحية، وبذلك فوتوا الفرصة على المحافظين للفوز في هذه الانتخابات. وعلى النقيض من ذلك، خاض المحافظون هذه الانتخابات دون استراتيجية واضحة، وبدوا طيلة الحملة الانتخابية يتصارعون مع بعضهم، بدلا من توحيد قواهم، في مواجهة خصمهم، روحاني الذي بدت حظوظه بالفوز قوية، وبشكل خاص وجلي في الأيام الأخيرة للحملة الانتخابية.

والسؤال هنا، هل كان فوز روحاني الكاسح الذي تجاوز الـ 50% وفي الدورة الأولى، من غير حاجة لدورة أخرى، محض صدفة، وتعبيرا عن التفاف معظم الإيرانيين حول مطلب الإصلاح، أم أنه جاء ملبيا لرغبة المرشد العام للثورة، السيد علي خامنئي، بعد أن عانت إيران، خلال أكثر من عقد، من حصار اقتصادي غربي، وجرى خلاله تهديدها من قبل الأميركيين عدة مرات باستخدام القوة المسلحة، للحيلولة دون استكمال بناء برنامجها النووي؟

لا شك أن الإصلاح هو مطلب لغالبية الإيرانيين، وكان ذلك هو الحال في الدورة الانتخابية السابقة، حيث تنافس الزعيم الإصلاحي المهندس حسين مير موسوي مع الرئيس أحمدي نجاد، المعروف باتجاهاته المحافظة وحينها ثار جدل كبير حول نتائج تلك الانتخابات لصالح موسوي، وأن الولي الفقيه انحاز لنجاد، وحدثت حينها انتفاضة شعبية واسعة عمت معظم المدن الإيرانية، لكن النظام تمكن من قهرها.

الفارق بين الانتخابين هو أن المحافظين دخلوا في الانتخابات السابقة ككتلة واحدة، مما مكنهم من التنافس بكثافة مع الإصلاحيين، أما هذه المرة فإن المرشحين كثر. ولا جدال بأن تنافس المحافظين ضد بعضهم كان بالإمكان لجمه من قبل أية الله خامنئي، لو أراد ذلك، فجميع هؤلاء هم من أتباعه، وبعضهم من دائرة المقربين له. ويبدو أن المرشد أراد التخفيف من حدة توتر علاقة إيران مع القوى الكبرى، وأيضا مع الجوار الإقليمي، وبشكل خاص دول مجلس التعاون الخليجي، فشجع على فوز روحاني.

ولا شك أن كون حسن روحاني لا ينتمي بشكل حاسم إلى التيار الإصلاحي، ولا إلى المحافظين، بل هو كما يقول المعتزلة، بين منزلتين، فإن ذلك جعل منه شخصا مقبولا في هذه المرحلة، لدى الولي الفقيه، ورجح من حصته في هذه الانتخابات.

ما يدفعنا إلى ترجيح هذا السيناريو هو ما عرف عن روحاني من نبرة تصالحية في المحادثات النووية التي أجراها مع الأمم المتحدة، بما يخدم سمعة إيران على الصعيد الدولي. فقد ترأس روحاني محادثات مع الغرب، وخلالها وافقت إيران على تعليق أنشطة تتصل بتخصيب اليورانيوم في عام 2003 لحين إجراء مزيد من المفاوضات بشان امتيازات تجارية ودبلوماسية لإيران، لكن هذا الاتفاق اصطدم بغياب الثقة بين إيران والغرب، مما أعاق تنفيذه.

عرف روحاني أيضا بخبرته وحنكته السياسية. فقد رأس روحاني المجلس الأعلى للأمن القومي خلال رئاسة رفسنجاني الذائع الصيت ببراجماتيته وببراعته في العمل السياسي الواقعي، كما عمل مع الرئيس محمد خاتمي الذي أجرى إصلاحات اجتماعية وسياسية واسعة. وقد تعرقلت محاولاته من قبل المتشددين الذين يحتلون مواقع بارزة بالمؤسسة الدينية وقادة الحرس الثوري.

وفي هذا السياق، يؤكد روحاني، أنه خاض الانتخابات التي أوصلته إلى موقع الرئاسة، بشراكة هاشمي رفسنجاني، الذي استبعد من الترشيح للرئاسة، من قبل مجلس صيانة الدستور، لأن وصوله إلى سدة الرئاسة، من شأنه أن يمثل تهديدا كبيرا لمكانة خامنئي. وقد خرج أنصار الرئيس السابق خاتمي عن صمتهم، وساندوا روحاني في معركته الانتخابية.

وانتقد روحاني السياسة الخارجية الإيرانية خلال الفترة التي تولى فيها أحمدي نجاد قيادة البلاد، وشدد على رفضه لها، وأن حكومته في حال انتخابه رئيسا للجمهورية ستقوم بالمصالحة مع الدول الجارة ودول العالم، من أجل التقليل من الحظر الذي ينبغي إفشاله عبر المصالحة السياسة. وأكد روحاني في الوقت ذاته على عدم استسلام الشعب الإيراني للظلم. وبهذا البرنامج، نجح روحاني في حشد أصوات الطبقة المتوسطة والشبان ممن عانوا على مر أعوام من حملات أمنية أحبطت أي معارضة.

وجاءت ردة الفعل العالمية مؤكدة ذلك، حيث تسابق قادة الغرب للترحيب بنتائج الانتخابات، وأبرق معظمهم لروحاني، مهنئين له بتسلمه منصب رئيس جمهورية إيران الإسلامية، لكن ذلك لا يلغي الوجه الآخر للرئيس روحاني، فليس بوسع أحد أن يشكك في ماضيه الثوري، فقد كان عضوا نشطا في المعارضة التي أطاحت بالشاه عام 1979. ولا يزال عضوا في المجلس الأعلى للأمن القومي، ومجلس تشخيص مصلحة النظام ومجلس الخبراء. والأخيران مجلسان استشاريان نافذان. ومع تشكيل المجلس الأعلى للأمن القومي شغل روحاني منصب ممثل قائد الثورة الإسلامية فيه، ثم أصبح أمين المجلس لمدة 16 عاماً بين 1989 و2005.

وعد روحاني بتحسين العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي، وأشار إلى أنه يطمح أن تصل علاقات بلاده مع المملكة العربية السعـودية إلى مستوى العلاقة الاستراتيجية. ويقيني أن الكرة هي بيد إيران، فمتى ما أرادت علاقات مع المملكة ودول الخليج، قائمة على الندية والتكافؤ والنأي عن العدوان، والاعتراف بحقوقنا، وعدم التدخل في شؤوننا الداخلية فلن تكون هناك مشكلة. ونأمل أن يكون قائد الثورة السيد على خامنئي عاملا معضدا في تحقيق ذلك.

نتطلع إلى وقف إيران لتدخلاتها في شؤون الوطن العربي، فتدع أقطاره وشأنها لتقرر مستقبلها، وتعيد الجزر العربية الثلاث، أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى، وتعامل أهلنا العرب في لواء المحمرة، بما يتسق مع مبادئ حقوق الإنسان، وتكف عن التصريحات التي تبرز بين فينة وأخرى حول حقوق مزعومة لها في مملكة البحرين، وحينها لن تكون لنا معها أية مشكلة، فعلاقتنا معها فرضتها الجغرافيا وحقائق التاريخ، وكلاهما عنصران يمتلكان نسبية صفة الثبات.