قامت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على يد المؤسس الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن طيب الله ثراه، على الكتاب والسنة والبيعة ولزوم الجماعة والطاعة لولاة الأمر بالمعروف، محققة قول الله تعالى: "الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ"، وقد كان لذلك آثاره الطيبة وبركاته الواسعة على هذه البلاد رعاة ورعية، وسأتناول في السطور التالية شيئاً من هذه الآثار والثمرات المباركة، فمن ذلك:

1ـ تحقيق التوحيد: قامت المملكة العربية السعودية منذ تأسيسها على تحقيق التوحيد والدعوة إليه ونبذ الشرك والبدع والتحذير منها، وكان لاجتماع الكلمة على ذلك من الراعي والرعية أعظم الأثر في رسوخ التوحيد في نفوس أبناء هذه البلاد، فأْتَلفت بسبب ذلك قلوبهم واجتمعت كلمتهم، فتحقق موعود الله تعالى لمن حقق التوحيد ونبذ الشرك، في قوله: "الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ"، فنعمت هذه البلاد بالأمن التام الشامل في كل شؤون حياتها، وأصبحت مضرب المثل في هذا بشهادة القاصي والداني.

فقد بذل الملك عبدالعزيز، رحمه الله، جهداً عظيماً، وسخر كل طاقاته وإمكاناته في نشر العلم، ويأتي على رأس ذلك الدعوة إلى العقيدة السلفية وتثبيتها في نفوس الناس من خلال البعثات العلمية التي كان يبعثها إلى مختلف مناطق مملكته ليبني بذلك جيلاً مؤمناً موحداً، وقد حورب من أجل ذلك من قبل جهات كثيرة ودعوات عديدة، ولكنه وقف موقفاً عظيماً تجاه أعداء دعوة التوحيد التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم، وهي دعوة جميع الأنبياء، ومما جاء عنه في ذلك قوله، رحمه الله، وهو يخطب في الحجيج عام 1347: "يسموننا بالوهابيين، ويسمون مذهبنا الوهابي، باعتبار أنه مذهب خاص، وهذا خطأ فاحش نشأ عن الدعايات الكاذبة التي كان يبثها أهل الأغراض. نحن لسنا أصحاب مذهب جديد أو عقيدة جديدة، ولم يأت محمد بن عبدالوهاب بالجديد، فعقيدتنا هي عقيدة السلف الصالح، التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله، وما كان عليه السلف الصالح. نحن نحترم الأئمة الأربعة، ولا فرق عندنا بين مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة، كلهم محترمون في نظرنا. هذه هي العقيدة التي قام شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب يدعو بها، وهذه هي عقيدتنا، وهي عقيدة مبنية على توحيد الله - عز وجل - خالصة من كل شائبة، منزهة من كل بدعة؛ فعقيدة التوحيد هذه هي التي ندعو إليها، وهي التي تنجينا مما نحن فيه من محن وأوصاب". (كتاب المصحف والسيف، مجموعة من خطابات وكلمات وأحاديث ومذكرات المغفور له بإذن الله جلالة الملك عبد العزيز آل سعود، ص52. ).

ومما يبين شدة ولاء الملك عبد العزيز لعقيدة التوحيد، قوله: "وقد نصرنا الله بقوة التوحيد الذي في قلوبنا، والإيمان الذي في الصدور. ويعلم الله أن التوحيد لم يملك علينا عظامنا وأجسامنا فحسب، بل ملك علينا قلوبنا وجوارحنا، ولم نتخذ التوحيد آلة لقضاء مآرب شخصية، أو لجر مغنم، وإنما تمسكنا به عن عقيدة وإيمان قوي، ولنجعل كلمة الله هي العليا" (القابسي، المصحف والسيف، ص57).

ولم ينس جلالة الملك عبد العزيز، رحمه الله، الوصية بالتوحيد في وصيته لابنه الملك سعود بولاية العهد، حيث جاء فيها قوله: "... فينبغي أن تعقد نيتك على ثلاثة أمور:

أولاً: نية صالحة وعزم على أن تكون حياتك وأن يكون ديدنك إعلاء كلمة التوحيد ونصر دين الله ... " (الخطيب، الإمام العادل صاحب الجلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، سيرته، بطولته، سر عظمته، تعليق: الدكتور فهد بن عبد الله السماري، ج2، ص26).

فانتشر بفضل الله تعالى ثم بفضل هذه العزيمة القوية والمحبة الصادقة لدين الله، التوحيد الخالص في سائر أرجاء المملكة، وأصبح أهل هذه البلاد يتميزون عن سائر البلاد بصفاء العقيدة، ومحاربة البدع والخرافات، في حين نجد الشركيات والبدع والخرافات في كثير من بلدان العالم الإسلامي.. نشأ عليها الصغير وهرم عليها الكبير.