أستأذن الإخوة الكرام، وقدوتنا من أصحاب الفضيلة ومن طلبة العلم أن يعيدوا ضبط مطالبهم على الفضائيات والمنابر بالنفرة والنصرة للشعب السوري رغم آلاف الصور المؤلمة والموغلة في الوحشية وانتهاك الكرامة الإنسانية. أستأذن آبائي الكبار من العلماء وإخواني من طلبة العلم حين أدعوهم إلى دراسة فاحصة لمآلات وخراج الأنموذج الأفغاني الذي شوه في النهاية كل القيم الإسلامية السامية العليا لمفهوم (الجهاد)، وألا نكرر ذات التجربة في الأنموذج السوري.

سورية ليست أبداً بحاجة إلى مقاتلين بقدر ما هي بحاجة إلى مواقف شعبية وسياسية وإلى الدعم المكتمل على كل الأصعدة. الشعب السوري سيدفع قريباً مثل الشعب الأفغاني، ثمناً باهظاً لكل الذين يحاربون عنه بالوكالة، ومن أجل مستقبل هذا الشعب أرجو أن نتدارس الأمر بعقل قبل أن نضع سورية في الطابور خلف الأنموذج الأفغاني. سورية لا ينقصها مئات آلاف الشباب من داخلها، وحتى من خارجها، فإن أرقام حركة الإخوان السورية وحدها تتحدث عن خمسين ألف شاب في دول الجوار.

في أفغانستان كنا نشحن الآلاف في عشرات الطائرات، وكانت الطائرات تعود إلينا بآلاف الأفغان للحياة والعمل، وهذه معادلة مختلة. في أفغانستان نجح الجهاد بامتياز في دحر المحتل، ولكنه في المقابل أيضاً نجح بامتياز في أن تكون أفغانستان مسرحاً فيما بعد لتجار الحروب وتجارب الأجندات المتناقضة ومثالاً استثنائياً لأركان الدولة الفاشلة، وللأسف أن مفهوم الجهاد قد يتحمل في الانطباع هذه الحقيقة. المجاهد السوري، ووحده، هو من يستطيع فهم فسيفساء شعبه وأعراقه وطوائفه وأديانه ومذاهبه، أما المجاهد الأجنبي فلا صورة لديه إلا خيالات النمطي المثالي، ولهذا حين يسقط النظام وتنتهي ضرورة القتال تبدأ كالعادة لديه ضرورة القتال ضد كل مختلف عن الصورة المتخيلة. هذا ما حصل في أفغانستان وفي العراق، ويؤسفني أننا نكرر ذات التجربة في سورية رغم أنها المختبر الأكثر تعقيداً في التركيبة الاجتماعية، هي رمانة هذه الخريطة الإسلامية كلها فلا تخسروا مستقبلها لأن الثمن باهظ ومكلف. أنا واثق بحول الله وفضله من سقوط هذا النظام لأن الظلم والاستبداد لا يدومان، ولكن خوفي أن تسقط اجتهاداتنا هذا الشعب من الخريطة، لأننا وكما يبدو: لا نتعلم من التجارب.