كان (صاحبنا) المثقف بامتياز، يبشرنا في جلسة خاصة بطبيعة وخصائص التحولات الأممية، ومنتهيا يزف الأمل بانتهاء الحقبة (الأوروأميركية) وظهور الصين كلاعب رسمي رئيسي أوحد. ولم أستطع حتى اللحظة فهم أسباب حماسه إلى البديل الجديد، رغم أن الصين ـ ولا تزال ـ سجل رمادي في حقوق الإنسان، وطبائع كبت واضطهاد ثقافي. قرأت من قبل عشرات المقالات عن بشائر الصعود الصيني لقيادة هذا العالم، وكلها ومن وجهة نظري الخاصة تتجاهل العيب الرئيسي الأبرز الذي يستحيل معه أن تكون (الصين) بديلا أمميا: العيب هو العرق المقفل والجنس الواحد، وكل حقائق التاريخ تبرهن أن الأمم المقفلة على مثل هذا (العيب) الاجتماعي الثقافي لا تستطيع الهيمنة والانتشار. استطاعت أميركا قيادة هذا العالم، مثلما استطاعت أخيرا أن تكون القطب الواحد؛ لأن الأمم والشعوب رأت في أميركا مزيجا هائلا من كل الأمم والشعوب. كل أمة وشعب رأت أن في (المزيج) الأميركي نسخة منها ومندوبا إليها، وحتى في الحالة العربية، تشير التقديرات إلى حياة أكثر من عشرة ملايين عربي على الأرض الأميركية، وهو رقم يفوق سكان خمس دول عربية منفردة. وخذ من حقائق التاريخ أن الإغريق والرومان سادوا العالم القديم، حين كانوا سواد خريطته، ومزيج شعوبه، ثم بادوا حين انكفؤوا إلى أعراق مقفلة في روما وأثينا. سادت الحضارة العربية فيما بعد حين أدخلت لمزيجها عشرات الشعوب من الأقباط للبربر ومن الفرس حتى شعوب آسيا الوسطى ومن الأندلس حتى الهند، ثم سقطت حين تصرف آخر خلفاء بني العباس بجهل ضد مكانة وتمكين هذه الأعراق والشعوب في الجسد البنائي لهذه الحضارة. وبمثل هذا سقط (بنوعثمان) حين سمحوا للعرق العثماني أن يسحق بقية الإمبراطورية، وأن يهجر أبناءها بالإقصاء والتعذيب. سقطوا حين تحول العرق المقفل إلى دولة استعمارية. مشكلة الصين أنها تبدأ مع العيب الأزلي من حيث انتهت كل حقائق التاريخ مع كل الإمبراطوريات. تستطيع الصين أن تكون مصنع العالم ورمانة اقتصاده، ولكنها لا تستطيع أبدا وفي المطلق أن تقوده سياسيا وثقافيا؛ لأن الشعوب بكل اختصار: لا تقبل سيادة العرق المقفل والجنس الأوحد ولا ريادته.