في نوفمبر 1972، أعيد انتخاب ريتشارد نيكسون لفترة رئاسية ثانية بأغلبية ساحقة. بعد أقل من سنتين، استقال من منصبه بعد أن لحقه العار، نتيجة لمحاولاته التغطية على فضيحة ووتر جيت. هذه هي طبيعة السياسة الأميركية والدستور الأميركي. الآباء المؤسسون وضحوا إجراءات إزاحة الرئيس من منصبه، إذا وجد مذنبا بـ"بجرائم كبيرة أو جنح". إذ إن الرئيس يتمتع بسلطات هائلة في الولايات المتحدة، توقع المؤسسون أن إغراءات الاستبداد سوف تطغى بين الحين والآخر. أرادوا أن يتجنبوا الانقلابات والاغتيالات كوسائل لإزاحة الرئيس، لذلك أعطوا الكونجرس مسؤوليات واسعة لعزل الرئيس.
قد يكون من الصعب تصديق ذلك، لكن أميركا ربما تمر بإعادة لإجراءات عزل نيكسون. على مدى الأسابيع الأربعة الماضية، واجه الرئيس أوباما عدة فضائح، يمكن لأي منها أن تطيح به من منصبه. الفضيحة الأخيرة – حول الرقابة على الجوالات والرسائل الإلكترونية ووسائل الإعلام الأخرى - زادت سوءا بإعلان أوباما الأخير أن الولايات المتحدة في أمان من الإرهاب أكثر من أي وقت آخر منذ هجمات 11 سبتمبر.
من المفيد تقديم ملخص لهذه الفضائح، بالتسلسل الذي انفجرت فيه في أجهزة الإعلام.
سلسلة من الرسائل الإلكترونية المتبادلة بين مسؤولين كبار في البيت الأبيض، ووزارة الخارجية، ووكالة الاستخبارات المركزية تم تسريبها إلى وكالة أسوشيتد بريس للأنباء، كشفت أن الرئيس أوباما لم يكن صادقا عندما قال إنه لا علاقة للبيت الأبيض بإعادة كتابة "نقاط الحديث" حول هجوم 11 سبتمبر 2012 على البعثة الدبلوماسية الأميركية في بنغازي، ليبيا، الذي قتل فيه السفير الأميركي كريستوفر ستيفنز وثلاث دبلوماسيين أميركيين آخرين. البيت الأبيض أرسل سوزان رايس للظهور على التلفزيون الوطني بعد خمسة أيام من الهجوم، لتقول للشعب الأميركي، إن عمليات القتل كانت نتيجة لمظاهرة تلقائية للاحتجاج على فيديو يسيء للرسول محمد "صلى الله عليه وسلم". الرئيس أوباما تحدث أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نهاية سبتمبر 2012، وكرر نفس الرواية التي قدمتها سوزان رايس. وخلال ذلك كان الرئيس وكبار معاونيه يعرفون أن مقتل السفير ستيفنز والآخرين كان نتيجة هجوم إرهابي مدبر استخدمت فيه كثير من الأسلحة. لم تكن هناك أي مظاهرة.
أكثر من 150 عضو كونجرس من الحزب الجمهوري يشاركون في رعاية مشروع قانون لجنة للتحقيق في الادعاءات التي تحيط بحادثة بنغازي، التي تشمل الإهمال في تقديم العناصر العسكرية، والشكوك بأن أوباما يغطي على تهريب أسلحة للمتمردين السوريين. إذا ثبت أي من الادعاءات حول حادثة بنغازي برواية شهود عيان أو وثائق من البيت الأبيض، يمكن أن تصبح طبول الدعوة إلى العزل حتمية.
وبعد ذلك تم الكشف عن أن دائرة الإيرادات الداخلية كانت تقوم بعمليات مضايقة ضد الخصوم السياسيين لإعادة انتخاب الرئيس أوباما. مجلس البيت الأبيض التابع للرئيس كان يعرف الفضيحة تماما، وكان يعرف أن وزارة الخزانة كانت تقوم بتحقيق في استهداف محتمل لـ"قائمة أعداء". البيت الأبيض حاول الادعاء بأن العمليات غير القانونية من دائرة الإيرادات الداخلية كانت محدودة بموظف ميداني محلي واحد في سينسيناتي، أوهايو. وثبت فيما بعد أن ذلك غير صحيح.
خلال أيام من ظهور فضيحة دائرة الإيرادات الداخلية في الإعلام، كشف أن وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالي يقومان بالتنصت على الجوالات ومراقبة حسابات البريد الإلكترونية لصحفيين في وكالة أسوشيتد بريس وفي قناة فوكس نيوز. أحد الصحفيين المستهدفين كان قيد التحقيق بتهمة التآمر في قضية تخريب. خلال أيام، جعل استهداف الأسوشيتد بريس وفوكس نيوز الكثير من الأميركيين يتحولون ضد الرئيس.
وأخيرا، في الأسبوع الماضي، قدم موظف سابق في وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي ـ اسمه إدوارد سنودن ـ وثائق إلى الصحفي جلين جرينوولد في جريدة الجارديان، تثبت أن إدارة أوباما كانت تتجسس على المواطنين الأميركيين من خلال التنصت على أجهزة الجوال وحسابات البريد الإلكتروني. لم يكن الصحفيون التابعون لوكالة أسوشيتد بريس وفوكس نيوز لوحدهم. انضم إليهم أكثر من 300 مليون مواطن أميركي يتم حفظ اتصالاتهم الشخصية في قواعد بيانات أجهزة الكومبيوتر الحكومية العملاقة. العذر الذي استخدمته الحكومة لعملية التجسس الهائلة كان أن الحكومة كانت تبحث عن أدلة لمخططات إرهابية.
لقد وجدت إدارة أوباما نفسها عالقة في أكبر فضيحة تجسس غير قانونية في تاريخ الولايات المتحدة. الرئيس أوباما زاد الأمور سوءا من خلال عقد مؤتمر صحفي قال فيه: إن برنامج التجسس، الذي يحمل اسم الموشور "بريزم"، هو قانوني. علاوة على ذلك، قال إن أعضاء بارزين في مجلس الشيوخ والكونجرس وقضاة فيدراليون تم إبلاغهم بشكل كامل عن البرنامج ووافقوا عليه. ذلك أيضا تبين بسرعة أنه مبالغة كبيرة للحقيقة.
خارج الولايات المتحدة، هذه الأزمة المفاجئة لرئاسة أوباما لم تحصل على تغطية إعلامية واسعة. ولكن هنا في الولايات المتحدة هذا خبر كبير. من المبكر القول فيما إذا كان الرئيس أوباما سينجو من هذه الفضائح. الكونجرس خلال السنوات الأخيرة أظهروا كراهية لإجراءات عزل الرئيس، رغم أن الآباء المؤسسين اعتبروا هذه القضية حجر زاوية للتوازنات بين الكونجرس والفرع التنفيذي للسلطة.
مع تطور هذه السلسلة من الفضائح والتحقيقات على مدى الأسابيع والشهور القادمة، سأعمل على تحديث الخبر بشكل متواصل.