رغم التحذيرات المتواصلة من قطع غيار السيارات المقلدة، ودورها الرئيسي في معظم الحوادث المأساوية، إلا أنها ما زالت تملأ الأسواق وتشهد إقبالا كبيرا من المستهلكين، إذ وصلت نسبة انتشارها في الأسواق إلى نحو 50%، بحسب دراسات نشرت مؤخرا، فيما يكشف عدد من رجال الأعمال، أنها تدخل المملكة بتصريح رسمي، ويتم التلاعب فيها من قبل الموزعين المجهولين، بالتعاون مع مطابع خاصة لتزييف غلافها، بينما تنشط عمليات الغش في بيعها بالتزامن مع أيام رواتب الموظفين.
رحلة "الغش" بقطع الغيار
تظهر المعلومات التي حصلت عليها "الوطن" أثناء جولة لها على محلات بيع قطع غيار السيارات، أن عملية بيع المقلدة تدار بما يشبه "سوق سوداء" يغيب فيها تماما عنصر الرقابة أو التنظيم، حيث يؤكد أحد الباعة - فضل عدم ذكر اسمه - أن القطع المقلدة توزع عن طريق موزعين مجهولين يملكون سيارات شحن خاصة، يقومون بتوفير القطع الاستهلاكية من أردى الأنواع، ويتم تغليفها في كراتين مشابهة لكراتين القطع الأصلية، مشيرا إلى وجود مطابع خاصة للاستيكرات والكراتين في الرياض وجدة، حيث يطلب الموزع طباعة كمية كبيرة من كراتين قطع السيارات الأصلية، ثم يتجه الموزع لشراء قطع مقلدة ويضعها داخل الكرتون الأصلي الذي لا تكلف طباعته سوى ريال واحد، الأمر الذي يساعده في تسويق القطع المقلدة، بل وبأسعار كبيرة تقترب من سعر القطع الأصلية، ويطلقون عليها اسم "درجة ثانية" لإيهام المشتري بأنها أصلية ولكن بدرجة جودة أقل.
مؤسسات وهمية
ويضيف البائع: يقوم الموزعون عادة ببيع تلك القطع بفواتير مزيفة يكتب عليها اسم مستودع معين أو مؤسسة وهمية لا وجود لها على أرض الواقع، بلا أرقام سجل تجاري أو صندوق بريد، فيما يضع الموزع رقم جواله على الفاتورة، مبينا أنهم يعانون من هؤلاء الموزعين إضافة إلى الضرر الكبير على المواطن الذي لا يعلم عن هذه الطريقة، مؤكدا أن أغلب الموزعين يحملون تأشيرات "عامل" أو "سائق".
وأثناء جولة "الوطن" لاحظت انتشار سيارات الشحن أمام محلات بيع قطع غيار السيارات، حيث تحمل بعض السيارات أسماء مؤسسات معينة، فيما العدد الأكبر منها لا يحمل أي اسم. وعند محاولة الحديث مع أحد الموزعين رفض ذلك، مكتفيا بقوله "أنا مشغول" وعند سؤاله عن سبب بيعه للقطع المقلدة، قال "نترزق".
إغراء فارق السعر
ويوضح البائع، أن هذه الطريقة تسهل لصاحب المحل أن يغش في بيع القطعة المقلدة بغلاف أصلي، وقال "لو كانت القطعة الأصلية بـ300 ريال وسعر القطعة المقلدة 50 ريالا، فإن وضعها في كرتون أصلي يمكن الموزع من بيعها لصاحب المحل بسعر 80 ريالا ثم يأتي صاحب المحل ويرى القطعة أنها مشابهة لدرجة كبيرة بالقطعة الأصلية فيبيعها بـ250 ريالا للزبون" لافتا إلى أن بيع المقلدة يكسب البائع أرباحا مضاعفة عن بيع الأصلية.
ويبين عدد من المواطنين الذين تواجدوا في أحد محال بيع قطع الغيار، أن فارق السعر الكبير بين القطع المقلدة وتلك الأصلية، يدفعهم إلى شراء الأولى، حيث أكد "يوسف العطوي، وناصر حكمي، وأبو عبدالرحمن" أنهم يجدوا تفاوتا في سعر القطع الأصلية يصل إلى نحو 200% من قيمة القطعة المقلدة، مستدركين بأن أصحاب المحلات لهم دور في تسويق تلك القطع من خلال تأكيدهم للمستهلكين بأنها جيدة ولا تختلف كثيرا عن القطع الأصلية، وكذلك وكالات السيارات التي تبالغ في أسعار القطع الأصلية بشكل كبير، مما يدفع المستهلكين لشراء المقلدة.
ويشير المواطنون إلى أن محلات بيع قطع الغيار لا تخضع لأي رقابة حقيقية، حيث تقوم ببيع القطع المقلدة بشكل علني، ويتخذون من ارتفاع سعر القطع الأصلية دافعا لإقناع المستهلك بشراء القطع المقلدة أو "التجاري" كما يسمونها.
غياب "الوعي" بالخطورة
"الوطن" توجهت لورش السيارات والتقت "أبو صالح اليمني" وهو ميكانيكي سيارات، حيث ذكر أنه يحرص على توضيح القطعة المقلدة لزبائنه قبل تركيبها، ويقول "بعض الزبائن لا يهتم إن كانت تجارية أو أصلية بسبب قلة المال المتوفر لديه واحتياجه لسيارته في تنقلاته مما يجبره على استخدام القطع الرخيصة" مبينا بأنه لا يمانع في تركيب أي قطعة يحضرها له "الزبون" بعد أن يؤدي ما عليه من نصيحة وكشف لحقيقة القطعة.
أما الميكانيكي أبو حسن "تركي الجنسية" فيقول "قطع الغيار الأصلية تعطي عمرا أكبر للسيارات بخلاف المقلدة التي يكون لها ضرر أكبر من فائدتها وخصوصا عندما يأتي الزبون بقطع غيار مقلدة لموضع رئيسي بالسيارة وهي سبب مباشر للحوادث المأساوية في الطرقات" لافتا إلى أن بعض الزبائن يأتون بقطع مقلدة وهم لا يعلمون بأنها مقلدة، فيضطرون إلى العودة إلى نفس المحل لإعادتها، بعد أن يتم إخبارهم بما قد تسببه من مشاكل وحوادث.
مطالبة بـ"الإبلاغ"
مدير فرع وزارة التجارة بمنطقة تبوك محمد الصايغ أكد على أن إدارته تقوم بجولات ميدانية وخاصه في حال ورود بلاغات، مبينا أن المتابعة تشمل تواجد بطاقة الأسعار على السلع والتأكد من أنها صالحة وليست مقلدة، وأكد الصايغ أنه تم رصد قطع غيار مقلدة في الأسواق وتم سحبها ورفعها لهيئة التحقيق والادعاء العام لاتخاذ العقوبة اللازمة، لافتا إلى وجود تعاون بين وزارة التجارة والجمارك والمواصفات والمقاييس للتأكد من علامة جودة القطع، وفي حال مخالفتها للمواصفات والمقاييس يتم منع دخولها للمملكة.
وطالب الصايغ المواطنين والمقيمين المساهمة في الحد من الغش في بيع قطع غيار السيارات عن طريق إبلاغ وزارة التجارة عند وجود أي اشتباه في قطعة مقلدة، ليتم التحقيق منها في قسم مكافحة الغش التجاري.
إحصائيات غائبة
مدير مرور منطقة تبوك العميد محمد النجار أكد أنه لا توجد لديهم إحصائيات محددة للحوداث التي ساهمت فيها قطع الغيار المقلدة، مؤكدا أنه "بعد وقوع الحادث لا يتم قبول إلا قطع غيار السيارات من الوكالات الرسمية المعتمدة" مبينا أن رقابة القطع المقلدة تتبع لجهة رقابية مسوؤلة عن ذلك بمشاركة مع المرور والشرطة والبحث الجنائي.
وتمنى النجار من أصحاب المركبات الحرص التام من قطع الغيار التي تؤثر على السلامة، مطالبا كل قائد مركبة يتعرض لحادث أن يقوم بإيصال المركبة إلى محطات الفحص الفني، ليتم التأكد من قطع الغيار التي تم تركيبها وكذلك من سلامة المركبة من الناحية الفنية.