بنبرات صوت يملؤها الأسى، وتفوح منها رائحة "الغيرة" على حرفة ضاربة جذورها في أعماق الواحة، يقول خياطو المشالح في الأحساء: "لم تعد الأحساء، هي المنطقة الأولى خليجيا في حرفة خياطة "المشالح"، كما كانت سابقا، والسبب في ذلك استقدام عمالة "أجنبية" رخيصة وغير مؤهلة لممارسة هذه الحرفة، التي تفرد بها الأحسائيون عن غيرهم على مدى السنوات الماضية"، وهذه العبارة أجمع عليها خياطو المشالح في مدن وقرى المحافظة، خلال أحاديثهم إلى "الوطن"، مفسرين بها أسباب تراجع صناعة المشالح في الواحة.
وطالبوا الجهات المعنية في استقدام العمالة لمحال ومعامل خياطة المشالح، بالوقوف على الإمكانات المهنية عند "العمالة" قبل استكمال إجراءات الاستقدام، وكذلك العمل على افتتاح معاهد وطنية لتدريب الشباب السعودي على ممارسة هذه الحرفة، مشددين على أن بعض معامل المشالح المحلية في الأحساء، أصبحت تعج بالعمالة غير المدربة وغير المؤهلة، ويجلبون من بلدانهم كي يتدربوا على ممارسة هذه المهنة، ويأخذوا في ضخ كميات كبيرة من المشالح التي صنعوها بلا جودة إلى الأسواق داخل الأحساء وخارجها، وبيعها على أنها مشالح أحسائية، والبعض الآخر من هذه المعامل، جلبت عمالة "أجنبية"، ووفرت لها مواقع لمزاولة هذه المهنة بعيدا عن أعين الزبائن، حتى لا ينكشف أمر جودة صناعة "المشلح" عند الزبون. وجددوا مطالبهم بتعيين شيخ لـ "الخياطين" لضبط ممارسة المهنة والقضاء على سلبياتها، وحمايتها من الأضرار والخسائر كمهنة عريقة، ووقف حالات الغش، والفصل في النزاعات المختلفة، والمشاركة في إصدار رخص مزاولة المهنة لطالبي العمل فيها من السعوديين، ومنح الرخص لذوي الكفاءة، ووضع معايير مناسبة ومتفق عليها لضبط جودة المنتج، بما يضمن الإتقان في العمل، ومتابعة المشاغل والمحال.
وحذر عمار العمار ـ ممارس لحرفة خياطة المشالح في الأحساء لأكثر من أربعين عاما ـ من التعامل مع باعة المشالح في الأسواق العامة مرجعا ذلك إلى التلاعب والغش من بعض أولئك الباعة، مشيرا إلى أن بعضهم يستخدم ملصقات لأسماء وأرقام وهمية غير معروفة لمعامل للمشالح في الأحساء، والبعض الآخر قد يلجأ إلى تزوير ملصقات لأسماء لها شهرتها في خياطة المشالح في الأحساء، مطالبا خياطة وشراء المشالح الأحسائية من معامل الخياطة المتعمدة والمعروفة في الأحساء، بيد أنه استدرك، أن كثيرا من العملاء، أصبحت لديهم خبرة كبيرة في معرفة جودة خياطة "المشلح"، فكثير من هذه المعامل، التي منحت العمالة فرصة لممارسة هذه الحرفة، خسرت الكثير من زبائنها لأسباب تتعلق بالمهارات والإتقان.
وذكر إبراهيم العمار "خياط"، أن العمالة الوافدة أساءت كثيرا لحرفة خياطة المشالح الأحسائية، وذلك من خلال الغش في الزري، والقماش، وبطانة المشلح، فتسعى تلك العمالة لشراء أرخص المواد الأولية لصناعة المشلح، فبعض الزبائن يُخدعون من تدني الأسعار بفارق يصل إلى أكثر من 1500 ريال عن سعر المشلح ذي الجودة العالية، ويكتشف الزبون وقوعه في الغش بعد أول غسيل للمشلح تتضح كثير من العيوب، أول تلك العيوب تغير لون "الزري" من اللون الذهبي إلى لون قريب من السواد، وانكماش طول القماش، وغيرها من العيوب.
وأبان محمد العبدالسلام "خياط مشالح سعودي" أن كبار الشخصيات والشخصيات المهمة، الذين هم دائما ما يرتدون المشالح بصفة مستمرة، يستطيعون تمييز جودة المشلح، ومعرفة أنه مشلح أحسائي الخياطة، وأن وقوعهم في حالات الغش صعب جدا، لافتا إلى أن تراكم السنوات الكبيرة بين الخياطين في الأحساء، ولدت لديهم إمكانية معرفة وتحديد أسماء الأشخاص، الذين قاموا بخياطة المشلح من خلال التدقيق في مراحل خياطته، إذ إن لكل خياط طريقة "محددة" تميزه عن غيره، موضحا أن بعض المعامل، تستعين بالعمالة "الأجنبية" لصناعة المشالح التي لا تحتاج إلى جودة، كمشالح الأطفال وحفلات التخرج التي تستخدم لمرة واحدة فقط، فلا يستدعي شراء مشالح ذات جودة عالية وبأسعار مرتفعة، وكذلك الأمر بالنسبة لمشالح "الكمبيوتر" التي عادة ما يثبت "الزري" آليا.
وأكد محمد البراهيم "خياط مشالح"، أن الجميع لا يستطيع أن ينكر أن هناك عمالة "أجنبية"، وهم قلة جدا، استطاعوا احتراف العمل نتيجة خبرتهم في العمل التي قد تتجاوز الـ 12 عاما، إلا أن أعدادهم قليلة جدا في معامل ومشاغل خياطة المشالح في الأحساء، مرجعا ذلك لسفر الكثير منهم إلى بلدانهم بسبب صعوبة العمل في هذه الحرفة، والتي عادة ما تتسبب بإصابات للعين بفعل التركيز المستمر لأداء العمل بالشكل المطلوب، فكثير ممن عمل في خياطة المشالح يرتدون النظارات الطبية؛ بسبب تعرضهم لضعف شديد في النظر ناتج عن تركيزهم المستمر في الزري والخيوط وإبرة الخياطة لساعات طويلة، لافتا إلى أن هؤلاء العمالة الأجنبية، تأتي للعمل دون أدنى خبرة، وبعد اكتسابهم الخبرة، يقررون السفر إلى بلدانهم ومن ثم العودة مرة أخرى إلى دول الخليج للعمل بأجر مرتفع.