ثمة أشخاص في مجتمعنا يسيرون طوال حياتهم في نفق مظلم، نظرتهم قاتمة السواد، وتلازمهم نظرة تشاؤمية تقود إلى إحباط وتذمّر مزمن يصاحب البعض ويجعلهم أسرى لثقافة مأزومة تبحث عن السلبيات وتفرح بجوانب القصور وتغتال الطموح وتقتل الأمل من خلال قراءة مغلوطة للواقع في بعض الأحيان، أو مقارنة غير سليمة يجعلونها أساسا تنسج حوله التوقعات الخاطئة والتخرّصات الموغلة في التشاؤم والمبنية على نظرة قاتمة السواد.
هؤلاء تجدهم متذمّرين بشكل دائم، لا يعجبهم شيء، ينظرون بشك وارتياب إلى كل شيء جميل، ولا يهنأ لهم بال حتى يجدوا له تفسيرا سلبيا، أصابهم عمى لجميع الألوان الجميلة، ولا يرون إلا اللون الأسود، لا يمكن أن تنجح في تبصيرهم بالجوانب الإيجابية في حياتهم أو في مجتمعهم، لأن التذمّر أصبح نمط حياتهم المفضل.
التذمّر اصبح حالة مرضية وتحوّل إلى مزاج عام ومظهر سائد، فالكل متذمّر من عمله ومن مرتبه ومن مهنته ومن مسكنه ومن بيئته، فأصبح الشخص الذي يصرح بأنه سعيد في عمله وراض عن وضعه ينظر إليه باستغراب من قبل زملائه والمحيطين به. البعض ليس مقتنعا بما يقول، ولكن تماشيه مع الثقافة المسيطرة والمزاج العام السائد من حوله يجعله أسيرا لهذا النوع من السلوك، لأن من حوله يتوقعون منه أن يفعل ذلك. انتشار هذه الثقافة بشكل واسع في المجتمع السعودي سوف ينعكس على الإنتاجية ويقود إلى التكاسل وعدم الجدية وعدم محاسبة النفس وتوجيه اللوم للآخرين.
الذين ينشرون ثقافة الإحباط يستشيطون غضبا عندما تناقشهم وتحاول إقناعهم بوجود نواح إيجابية في مجتمعنا، فتجدهم يسارعون إلى تغيير مسار الحديث فيحولونه إلى السلبيات والإحباط والتذمّر والنظرة السوداء إلى المستقبل.
المحزن في هذا الجانب أن من يدعم ويروّج لثقافة الإحباط هم أكثر الناس تقصيرا في عملهم والأقل إنتاجية، والبعض منهم غير منتجين بالفعل وليس لديهم استعداد لتحمل المسؤولية، وقد تكون هوايتهم المفضلة هي نشر الإحباط واغتيال الأمل وقتل الطموح. هؤلاء ينتقدون كل شيء إلا أنفسهم، ويقللون من شأن كل أمر لا يشاركون فيه، وينظرون بشكل سلبي لكل مشروع يرونه أمامهم دون أن يكلفوا أنفسهم محاولة معرفة الأمور بشكل كامل.
الخطر الحقيقي لهذه الثقافة يتمثل في غرسها في نفوس الأطفال والأجيال الشابة التي يفترض أن تكون مفعمة بالحيوية والتفاؤل بدلا من اللجوء إلى ثقافة الإحباط والتذمّر، التي سوف تصنع لهم شماعة يعلقون عليها جميع أخطائهم وتقودهم إلى تفكير غير عقلاني، وتشجعهم على عدم تحمل المسؤولية. هذه الثقافة كفيلة بقتل روح الإبداع وفقدان الأمل، وسوف تساهم في تنشئة أجيال تحمل نفسيات مثقلة بالأزمات، منفصلة عن الواقع الحقيقي، خائفة من المستقبل، لأن المحبطين والمتذمرين صنعوا لهم شبحا مخيفا يدفعهم إلى الانهزامية واليأس وعدم الجدية والإخلاص في العمل.
بناء المستقبل المشرق يحتاج إلى نشر ثقافة التفاؤل والإصرار على النجاح والعمل على تلافي الأخطاء وزرع ثقافة الطموح في الأجيال القادمة دون إغفال للنقد الواقعي الذي من شأنه أن يساعد على معالجة العيوب وجوانب القصور.